رحل عن عالمنا يوم ١٤ أكتوبر الجارى الأستاذ الدكتور إبراهيم نصر الدين، أستاذ العلوم السياسية بكلية الدراسات الإفريقية العليا بجامعة القاهرة، والراحل الكريم كان خبيرا فى الشؤون الإفريقية وله الكثير من الدراسات والبحوث الأكاديمية فى هذا الشأن وأشرف على الكثير من رسائل الماجستير والدكتوراه ويحظى باحترام الآلاف من طلابه فى مصر وخارجها لدوره العلمى والإنسانى الراقى والذى لمسه كل من تعامل معه، وأشرف أننى كنت أحد تلاميذه أثناء دراستى العلوم السياسية بكلية الدراسات الإفريقية.
والدكتور إبراهيم نصر الدين كانت له رؤية إنسانية رحبة فى تعامله مع الآخر المختلف لونًا ودينًا وعرقًا فكان يدعو فى محاضراته وكتاباته وحواراته لضرورة قبول التنوع والتعددية الدينية والمذهبية رافضًا التعصب وضيق الأفق داعيًا لتجديد الخطاب الدينى وتأويل النصوص الدينية.
والراحل الكريم كان يرفض الأصوليات الدينية بشتى صورها وكان مكافحًا ومنددًا بالإرهاب ففى عام ٢٠١٥ ونظرًا لأن الإرهاب كان ولا يزال موضوع الساعة، وتتمثل خطورته فى ترهيب المجتمعات والأفراد وتفكيك الدول، عقد معهد البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، قبل أن يتغير اسمه إلى كلية الدراسات الإفريقية العليا تحت رعاية الأستاذ الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة آنذاك، مؤتمرًا مهمًا تحت عنوان «الإرهاب وتأثيره على العلاقات العربية الإفريقية»، وفى الجلسة الافتتاحية للمؤتمر قال الراحل الأستاذ الدكتور إبراهيم نصر الدين أستاذ العلوم السياسية ومقرر المؤتمر: «إن القارة الإفريقية أصبحت بدورها مسرحًا لعمليات العديد من الجماعات الإرهابية التى انتشرت من الصومال وكينيا شرقًا إلى مالى غربًا، ومن ليبيا شمالًا إلى نيجيريا والكاميرون جنوبًا مرورًا بالعديد من الدول الأخرى، وأن هذا الانتشار كان له أثر سلبى مباشر على العلاقات بين دول شمال إفريقيا وبين دول جنوب الصحراء، فقد جاء ادعاء هذه الحركات الإرهابية تبنيها توجهات (إسلامية)، وارتباطها بعلاقات تنظيمية مع بعض الحركات المتطرفة فى الدول العربية، إلى اعتبار الشمال الإفريقى مصدرًا لهذه الموجة من الإرهاب».
وأضاف «زاد من أثر ذلك ارتباط تصاعد نشاط الجماعات الإرهابية فى إفريقيا جنوب الصحراء بالتطورات السياسية الأخيرة التى شهدتها العديد من دول شمال إفريقيا، الأمر الذى أكد الصلة بين الظاهرتين، ومن هنا دخلت العلاقات العربية الإفريقية فى مرحلة شديدة الخطورة تهدد بتقويض عملية التكامل القارى، وتوفر أرضًا خصبة لنشوب الصراعات بين الجانبين فى المستقبل».
كما كان للراحل الدكتور إبراهيم نصر الدين رأى مهم فى قضية سد النهضة، فكان يرى أن هذا السد فيه فائدة كبيرة لمصر، لأنه سيحجز كل كميات الطمى التى تترسب فى بحيرة ناصر، وهذا يعنى إطالة عمر السد العالى لمدة ١٠٠ عام أخرى على الأقل، والمشكلة الرئيسية كانت فى نظر الدكتور نصر الدين «تكمن فى أنّ هناك مُدركات تاريخية سلبية من كلّ دول القرن وبالذات من كلّ دول حوض نهر النيل، فما زالت إثيوبيا تتحدّث فى كتبها وفى غيرها عن الـEgyptian Imperialism أى الاستعمار المصرى حتّى تاريخه، وللأسف كتب التاريخ فى السودان هى الأُخرى تتحدّث عن الاستعمار المصرى- التركى للسودان، وكذلك من يذهب إلى الفنادق الكُبرى فى العاصمة الكينية يجد تصويرًا لتمثال عربى يلبس العقال ويُسلسِل الإفريقى ويضربه بالسياط، وفى تنزانيا نجد فى زنزبار أكبر مزار لما يُسمّى قاعدة التجارة العربية، تجارة الرقيق العربية، الصورة بهذا الشكل تقول إن هناك مُدركات سلبية بحُكم الاحتكاك العربى التاريخى مع هذه المنطقة، وفيما يبدو أنّ هذه المدركات لا تزال مسيطرة على عقول النُخَب الحاكمة».
لقد كان للراحل الكريم الدكتور إبراهيم نصر الدين الكثير من الرؤى والأحلام الجميلة لمصر وللقارة الإفريقية نتمنى تحقيقها فى المستقبل القريب.
refaatfikry@gmail.com