تشكل الموجة الثانية لجائحة فيروس كورونا تهديدًا وشيكًا تتحسب له كل دول العالم، كونها قد تتسبب فى خسائر إضافية فى الأرواح البشرية وتأثير اقتصادى سيئ. بعد نجاح بعض الدول فى احتواء الموجة الأولى من الإصابات والوفيات، أصبح العالم الآن فى منتصف موجة انتشار ثانية لفيروس كورونا المستجد، التى من المتوقع أن تغدو أكثر قسوة. لذا قام خبراء مركز أبحاث وسياسات الأمراض المعدية (CIDRAP) بوضع ثلاثة سيناريوهات لتلك الموجة الثانية.. لنستعرضها فى الآتى:
السيناريو الأول: تتبع موجة «كوفيد- 19» الأولى سلسلة من الموجات المتكررة مع عدد أقل من الإصابات، وتستمر على مدى عام إلى عامين، تضعف هذه الموجات مع الوقت وتتلاشى تدريجيًا فى وقت ما خلال عام إلى عامين، ويختلف حجمها من دولة لأخرى حسب درجة الالتزام بالإجراءات الاحترازية.
السيناريو الثانى: ويراه التقرير السيناريو الأسوأ والأكثر ترجيحًا، وفيه تكون الموجة الثانية أكبر وتتم فى خريف وشتاء عام 2020 (والتى تستدعى إعادة الإجراءات الاحترازية)، ثم تتبعها موجات أخرى أصغر فى 2021، وهو يشبه ما حدث خلال جائحة الإنفلونزا عام 1918 وإنفلونزا H1N1 عام 2009.
السيناريو الثالث: وفيه تكون الموجة الأولى هى الموجة الكبيرة الوحيدة ثم يتبعها تحول للجائحة إلى انتشار متكرر للفيروس من غير تشكل موجى محدد، وهو سيناريو لم يُشاهد فى أوبئة الإنفلونزا السابقة، وفى هذا السيناريو لن نحتاج الى الإغلاق مرة أخرى، على الرغم من استمرار حدوث الوفيات.
ويؤكد التقرير على ضرورة الاستعداد للسيناريو الأسوأ مع الأخذ فى الاعتبار ضيق الوقت المتاح، والذى يرجح احتمالية عدم توفر اللقاح خلال الموجة الثانية، وضرورة وجود خطط واضحة، وإعداد المجتمع لمواجهة الخطر وحماية الطواقم الطبية، بالتأكيد يمكن أن تتأثر كل من هذه التوقعات بالانتهاء من توفير لقاح ناجح فى وقت مبكر.
النموذج الرياضى الأقرب للماضى فى الواقع يرجح السيناريو الثانى. كما أن النماذج الرياضية للدول التى بدأت فيها الموجة الثانية تشير إلى ذلك أيضًا.
والتضخم الكبير فى أعداد الإصابات فى دول متضررة بشدة، كالهند وأمريكا والبرازيل وغيرها، تجعل رؤية العالم لزيادات الموجة الثانية متواضعة، فالغالبية سينظرون لزيادة مقدارها 13 ألفا على أنها لا شىء مقارنة بزيادة مقدارها 90 ألفا. وهى زيادات أمس حدثت فى كل من فرنسا والهند. لكن واقعياً 13 ألفا هو رقم أكبر بكثير (فى فرنسا) من أكبر عدد إصابات يومية فى الموجة الأولى، بينما 90 ألفا فى الهند هو رقم ما بعد الذروة.
مشكلة ذلك فى أن الدول فى المرحلة الثانية تواجه أزمتين فى نفس الوقت، الأزمة الأولى أنها تملك أنظمة علاجية منهكة بالفعل من أثر الموجة الأولى، والأزمة الثانية أنها تختبر مستويات جديدة من الأعداد لم تختبرها سابقاً. رياضياً يمكن بسهولة أن يتغير تماماً أداء المنظومة العلاجية بمجرد عبور مستوى معين، لا أحد يعرف متى سيحدث ذلك.
نتمنى أن تكون الدول أكثر استعداداً مما مضى، وأن يساعد الناس حكوماتهم بحماية أنفسهم.
المشكلة فى الدول التى لم تتضرر كثيراً، تتعالى فيها الأصوات التى تدَّعى عدم خطورة الوضع، رأينا ذلك فى إيطاليا، فعند مستوى معين من أعداد المرضى الجدد بدا المنحنى وكأنه اصطدم بسقف، واستمر التصاقه بهذا السقف لفترة تزايدت خلالها أعداد ونسب الوفيات بشدة، ووقف الأطباء يقررون من يجب أن يموت ليعيش غيره، هذا مثال للحظة تتوقف فيها إحدى آليات النموذج الرياضى لاصطدامها بحدود القدرة.
لا نملك إلا الدعاء للجميع بالصحة والعافية والتمسك بإجراءات الوقاية قدر ما يمكننا. حفظكم الله أجمعين وإيانا وكافة العالم، وكتب لنا من هذه الأزمة دروسًا نتعلمها فنَعِيها.