بادرة أمل تلوح في الأفق الليبي بعد التوصل أطراف النزاع في ليبيا إلى اتفاق وقف دائم لإطلاق النار، خلال المفاوضات الجارية بين الجيش الليبي وحكومة الوفاق في جنيف.
ويأتي الاتفاق كمخرج من محادثات اللجنة العسكرية المشتركة بصيغة «5+5»، المنعقدة بين حكومة الوفاق المتمخضة عن اتفاق الصخيرات و«الجيش الوطني» بقيادة خليفة حفتر، في جنيف بسويسرا برعاية أممية التي بدأت، الإثنين الماضي.
ووصفت رئيسة البعثة والممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة، ستيفاني وليامز، الاتفاق بالتاريخي، مشيرة إلى أن محادثات اللجنة العسكرية المشتركة بصيغة «5+5» في جنيف توجت، اليوم الجمعة، بـ«إنجاز تاريخي حيث توصل الفرقاء الليبيون إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء ليبيا»، مشددة على أن هذا الاتفاق يمثل «نقطة تحول مهمة نحو تحقيق السلام والاستقرار في ليبيا».
يشمل الاتفاق مغادرة جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب لليبيا في غضون 3 أشهر من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، كما اتفقوا على اتخاذ خطوات لإعادة هيكلة حرس المنشآت النفطية لضمان استمرار تدفق النفط، وزيادة إنتاجه.
وأعلنت وليامز أن اللجنة العسكرية المشتركة وافقت أيضاً على «وقف خطاب الكراهية» في وسائل الإعلام المختلفة.
في المقابل، دانت مرات عدة «التدخلات الأجنبية والانتهاكات الفادحة لحظر الأسلحة».
ومن المقرر إجراء محادثات سياسية بين الجانبين في تونس، مطلع الشهر المقبل، بهدف التوصل في النهاية لطريق لإجراء انتخابات.
ويرى خبراء، في تصريحات خاصة لـ«المصري اليوم»، أن الساحة الليبية تشهد حالة من التفاؤل الحذر بشأن مسار التفاوض، ولفتوا إلى أهمية تفكيك الميليشيات المسلحة لضمان عودة الاستقرار للدولة الليبية، كما حذروا من خطوة التدخل الخارجي من جانب بعض الدول لعرقلة مسار المباحثات بين الطرفين.
كمال عبدالله، الباحث في الشأن الليبي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، يقول «إن تصريحات البعثة الأممية مفرطة في التفاؤل، الوضع الحالي أكثر تعقيدًا من ذي قبل»، مشيرًا إلى أن أزمة الشرعية تتعمق من جانب أطراف عدة.
وأضاف «عبدالله»، في تصريحات خاصة لـ«المصري اليوم»، أنه «رغم وجود إرادة دولية للدفع نحو مرحلة انتقالية جديدة بليبيا، فلن تسلم من الطعن وستكون محملة بالأزمات وليست مبنية على أرضية صلبة كما حدث مع اتفاق الصخيرات».
وتابع الباحث في مركز الأهرام: «هناك محاولات من جانب بعض الأطراف الخارجية لإعادة هيكلة القوى الداخلية الليبية، واستبدال الفاعلين المحليين بفاعلين جدد، في إشاره إلى استقالة فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي الليبي، وتكوين مجلس رئاسي جديد، من جانب، والحديث عن هيكلة الجيش الوطني الليبي من الجانب الآخر».
وكان السراج أعلن في الشهر الماضي عن نيته ترك السلطة نهاية أكتوبر الحالي.
وحول الموقف الدولي، قال «عبدالله»: «إن هناك انفراطًا إقليميًا ودوليًا في الميدان الليبي، يضفي مزيدًا من التعقيدات على المشهد».
وأوضح الباحث في مركز الأهرام أن التوافق بين القوى الإقليمية والمحلية حول الملف الليبي مازال متباعدا، ما يعرقل مسار المفاوضات، مدللا على ذلك بتأخر تعيين القيادة العليا لبعثة الأمم المتحدة، ومنصب المبعوث الخاص، وحتى الآن تعرقل الولايات المتحدة تعيين أشخاص فيهم.
واستعان الجانبان بآلاف من المقاتلين الأجانب في ليبيا، بينهم سوريون وسودانيون وتشاديون ومرتزقة أوروبيون جاءت بهم مجموعة فاجنر الروسية. ومنذ يونيو، تمركزوا على طول خط الجبهة في سرت مدججين بأسلحة جديدة في مواقع دفاعية.
ولفت الباحث في مركز الأهرم إلى خطورة ملف المرتزقة على استقرار ليبيا، مشيراً إلى أنه ليست وليدة ثورة فبراير، بل يعود إلى عهد القذافي، حيث كان يستعين بالمرتزقة من التشاد والنيجر.
بينما يرى أحمد العناني، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، «أن تفاؤل البعثة الأممية مبرر بعض الشيء نتيجة التقدم في المفاوضات، وإعادة فتح الطرق البرية، وإعادة إنتاج النفط»، لكنه في المقابل أشار إلى أن التوافق على الأرض يعد صعبًا، لافتًا إلى أن الميليشيات هي من تتحكم في الغرب وتسيطر على المجلس الرئاسي.
واختطفت إحدى ميليشيات طرابلس، المعروفة بـ«كتيبة ثوار طرابلس»، الاثنين الماضي، رئيس المؤسسة الليبية للإعلام، محمد عمر بعيو، نتيجة آرائه لنبذ العنف، الأمر الذي دفع البعثة الأممية للمطالبة بالإفراج الفوري عنه دون شروط.
وعلق عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية قائلا «إن هناك غيابًا للمؤسسات في الجانب الغربي الليبي».
وحول فرص تنفيذ سلام على الأرض، وتوحيد الجيش الليبي، قال العناني: «لابد لفرض السلام، وعدم تسليم أسلحة لتلك الميليشيات المسيطرة على المشهد الليبي، وتطبيق قرار مجلس الأمن بحظر الأسلحة ومنع المرتزقة، والوقوف بوجه أردوغان، أكثر من يقوم بتصدير المرتزقة والسلاح لليبيا».
وبينما رحبت كل من البعثة الأممية والجامعة العربية والقاهرة بالاتفاق، أعربت أنقرة عن تشاؤمها بشأن الاتفاق وأنه ضعيف المصداقية، وأبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريح للصحفيين عن أمله في أن يلتزم طرفا النزاع بوقف إطلاق النار، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه لا يعتبر أن للاتفاق المبرم مصداقية كبيرة.
وقال محمود كمال، نائب رئيس الجمعية العربية للدراسات الإقليمية والاستراتيجية، إن الاتفاق يشكل «صفعة على وجه أردوغان»، لافتا إلى أنه خطوة ضرورية لوقف التدخلات الخارجية التركية في الشأن الليبي، وخاصة أن القوات الأجنبية الموجودة أغلبها تابع لتركيا.
وأضاف أن اتفاق وقف النار الدائم خطوة كبيرة في سبيل الاستقرار وأمن ليبيا والتوصل لحل سياسي شرط جدية الطرفين، خاصة حكومة الوفاق وميليشياتها المدعومة من قطر وتركيا والتي تسعى لتقويض أي عمليات استقرار، مشيراً إلى أن استقالة فايز السراج يجب أن تسهم في إنهاء الفترة الانتقالية الطويلة بالبلاد، والمضي قدما نحو تشكيل حكومة منتخبة ديمقراطيا.
وشدد «كمال» على ضرورة التزام الأطراف الليبية بالاتفاق، وإيقاف حملات التصعيد الإعلامي وخطاب الكراهية واستبدالها بخطاب التسامح والتصالح ونبذ العنف والإرهاب والإسراع في فتح خطوط المواصلات الجوية والبرية، بما يضمن حرية التنقل للمواطنين بين كل المدن الليبية.
يذكر أن تلك ليست المساعي الأولى لحلحلة الأزمة الليبية، فقد سبقتها مساعي الدبلوماسية السابقة، لكنها باءت بالفشل نتيجة التنافس بين الجماعات المختلفة منذ الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، ثم انقسام البلاد بين شرق وغرب منذ 2014.