سميت هذه المعركة باسم معركة «الزلاقة» حيث كان مسرحها هو سهل الزلاقة في الجزء الجنوبي لبلاد الأندلس، «زي ىالنهارده» في 23 أكتوبر 1086 ودارت رحاها بين جيوش دولة المرابطين متحدة مع جيش المعتمد بن عباد ضد قوات الملك القشتالي ألفونسو السادس.
وكان للمعركة والانتصار الساحق للمسلمين فيها تأثير كبير في تاريخ الأندلس الإسلامي، إذ إنها أوقفت زحف الصليبيين المطرد في أراضي ملوك الطوائف الإسلامية وقد أخرت نتيجة هذه المعركة سقوط الدولة الإسلامية في الأندلس لما يزيد على قرنين ونصف تقريبا.
وقبل هذه الحرب كانت الدولة الأموية في الأندلس سقطت وتفككت إلى ما عرف باسم فترة ملوك الطوائف والتي شهدت نزاعات وحروبا بين العديد من ملوكها، الأمر الذي أدى إلى إضعاف موقف المسلمين وعلى الجانب الآخر اتحدت مملكتا قشتالة وليون على يد فرناندو الأول الملقب بالعظيم، وكان له بعض المناوشات مع المسلمين التي استمرت بعد وفاته وتولى ابنه الملك ألفونسو السادس، الذي قام بالإغارة على العديد من المدن الإسلامية وغزاها وكان من أبرزها مدينة طليطلة حاضرة بنوذو النون، والتي صمدت لأكثر من 5 سنوات من الغارات المتتالية ثم الحصار من قبل القشتاليين ولم يتحرك لنصرتها من ملوك الطوائف سوى حاكم بطليوس باداخوز المتوكل بن الأفطس، الذي أرسل جيشا بقيادة ابنه الفضل، إلا أنه لم ينجح في رد الهجوم عليها.
وكان المعتمد بن عباد، حاكم إشبيلية وأقوى ملوك الطوائف، تعاون مع «ألفونسو» في حربه ضد بني ذي النون بسبب كونهم أبرز منافسيه السياسيين في المنطقة وكذلك بسبب خوفه من بطش «ألفونسو» وقوته كما كان يدفع له الجزية سنويا مثلما كان يفعل بقية حكام الطوائف نظير اتقاء شره.
واتجه «ألفونسو» بعد غزوه لطليطلة لمملكة بني هود المتهالكة الضعيفة وضرب حصارا على عاصمتهم مدينة سرقسطة واستولى عليها الأمر الذي أدى إلى بث الرعب في قلوب الأندلسيين، خاصة بني العباد إذ كان بنو هود من حلفاء «ألفونسو» وغدر بهم ثم قام ملوك الطوائف وخاصة «ابن عباد» ووجهاء غرناطة وقرطبة وبطليوس بالاتفاق فيما بينهم على طلب النصرة من الدولة المرابطية الفتية رغم الاعتراضات من بعض القادة بسبب خوفهم من تفرد يوسف بن تاشفين، زعيم المرابطين بالحكم وحده.
ووافق «ابن تاشفين» على مساعدة الأندلسيين شريطة إعطائه الجزيرة الخضراء لتكون مركزا له في الأندلس ونقطة رجوع وترتيب لأوراقه في حالة انهزامه في حربه مع الصليبيين أو في حال غدر أحد القادة المحليين وترك يوسف بن تاشفين 5 آلاف جندي له في الجزيرة الخضراء وانطلق هو بـ 12 ألف مقاتل شمالا نحو إشبيلية حيث تجمع حلفاؤه من ملوك الطوائف.
وعندما علم «ألفونسو» بتحرك «ابن تاشفين» ترك حصاره لسرقسطة وتقدم مع حلفائه لقتال المسلمين وعسكرت الجيوش الصليبية على بعد 3 أميال من جيش المسلمين على الضفة الأخرى من نهر جريرو، فيما كان الجيش الإسلامي قسم نفسه إلى 3 أقسام هي عرب الأندلس في المقدمة بقيادة المعتمد على الله بن عباد، وأمازيغ الأندلس والمغرب في المؤخرة بقيادة داوود بن عائشة، أحد قادة المرابطين،والجنود الاحتياطيين ومعظمهم أمازيغ خلف الجيش الإسلامي وهم بقيادة «ابن تاشفين»وهاجم «ألفونسو» المسلمين فقاوموا مقاومة عنيفة ثم عمد «ابن تاشفين» إلى اختراق معسكر الصليبيين ليقضي على حراسه ويشعل النار فيه، الأمر الذي أدى إلى تفرق جيش «ألفونسو» بين مدافع عن المعسكر ومحارب للقوات الإسلامية وحوصر «ألفونسو» وجنده ولم يتبق منهم سوى «ألفونسو» الذي قطعت قدمه في المعركة وعاد ومعه 500 فارس أغلبهم مصابون.
فيما هرب الذين تبقوا من جيش ألفونسو ولم يصل منهم إلى طليطلة سوى 120 فارسا، فيما عاد يوسف بن تاشفين إلى بلاد المغرب بعد انتهاء القتال بعد أن أدى ما عليه وهزم صليبيي الأندلس هزيمة ساحقة أوقفت زحفهم وأخرت سيطرتهم على الأندلس مدة تزيد على قرنين ونصف، فيما عاود الأندلسيون ما كانوا عليه قبل المعركة حيث عادوا للاقتتال فيما بينهم وتنازعوا السلطة واستعانوا بالملوك الصليبيين في حروبهم ضد بعضهم البعض، فقام «ابن تاشفين» باقتحام الأندلس ليزيل الفتنة فيها ويضمها موحدة إلى دولته القوية وألقى القبض على أغلب ملوك الطوائف ومنهم حليفه السابق في معركة الزلاقة المعتمد بن عباد، وأتبع ممالكهم لدولته ثم نفى«ابن عباد»إلى أغمات حيث توفي هناك.