المشروع القومى للترجمة وعصر المأمون الثانى

خالد منتصر الثلاثاء 01-12-2009 19:52

المشاريع الكبرى يقتلها الصمت وتغتالها اللامبالاة ويضعف من تأثيرها عدم الدعاية مهما كان طموحها، هذا ما جال فى خاطرى عندما راجعت الكتب التى قرأتها فى آخر عامين فوجدت أن معظمها وأهمها من إصدارات المشروع القومى للترجمة، وللأسف بحثت عن عناوين قديمة من كتب المشروع ففشلت فى الحصول عليها،
وأدركت أن هذا المشروع هو أهم مشروع ثقافى مصرى تم فى السنوات الأخيرة، وهو من المشروعات التى يمكن أن نطلق عليها التصنيع الثقافى الثقيل، وللأسف لا يصدر عنه أى إعلانات ولا حتى برواز صغير فى الأهرام مثل سلسلة عالم المعرفة الكويتية،
وأنا مندهش كيف يتم إهمال الدعاية لهذا المشروع الثقافى العظيم الذى من فرط عدم الإعلان عنه ظننت أنه عورة تخجل منها وزارة الثقافة وتحاربها أجهزة الإعلام، مندهش من أن مركز الترجمة لا يعرف عنوانه 99% من مثقفى مصر، مندهش من أن أوائل خريجى قسم اللغات فى كليات الآداب والألسن لا يعرفون من هو جابر عصفور أصلاً ويجهلون كيف يقدمون ترجماتهم إلى المركز وكيف تخرج إلى النور!!،
مندهش من أن واحداً من أهم مثقفى مصر ورواد الترجمة فيها، وهو طلعت الشايب، الذى يقف خلف الكاميرا ويعمل فى صمت ودأب وكأنه قديس فى معبد لخروج هذا المشروع للنور، كيف لا تسعى إليه البرامج الحوارية أو الثقافية للحديث عن هذا المشروع العبقرى، نسيت أنه لا يوجد فى مصر ما يطلق عليه برامج ثقافية!.
لو لم يفعل د.جابر عصفور فى حياته إلا إشرافه على المشروع القومى للترجمة لكفاه خلوداً فى ذاكرة الثقافة المصرية، هذه ليست مبالغة ولكنها حقيقة لا يساويها فى الحجم إلا إهمال الإعلام لهذا المشروع الحيوى، برغم أن مشروع الألف كتاب فى العهد الناصرى أخذ دعاية وترويجاً واحتفاء لا نظير له، فإن هذا المشروع الطموح الحالى الذى من وجهة نظرى أهم بكثير وأجرأ بمراحل وأكثر تنوعاً بكثير من ناحية الموضوعات واللغات التى يترجم منها،
للأسف لا يتمتع بواحد على الألف من هذه الدعاية التى نالها مشروع الألف كتاب السابق، والمدهش أن الصمت الرسمى واللامبالاة الإعلامية تلف المشروع القومى للترجمة برغم تجاوزه الآن رقم الألف كتاب بأكثر من ثلاثمائة كتاب تقريباً، وبرغم أن طموحه يتجاوز العشرة آلاف كتاب فى مدة ست سنوات.
كانت ترجمات عصر المأمون العقلانى هى بداية ازدهار الحضارة الإسلامية وعلوم المسلمين، وأعتقد أن هذا المشروع إذا نال اهتماماً أكثر فإننا سنستعيد نهضة عصر المأمون العقلية. أتمنى أن يزداد حجم الترجمات العلمية لتتجاوز الترجمات الأدبية، وأن تتضاعف مكافأة المترجمين، وألا يموت هذا المشروع بسكتة التجاهل الإعلامية.