«جدل بين شقي الحكومة الانتقالية».. هل يسلّم السودان البشير للمحكمة الدولية؟

كتب: إنجي عبد الوهاب الأحد 18-10-2020 19:47

في الوقت الذي يقف فيه السودان على أعتاب تغيرات جذرية في حاضره ومستقبله السياسي، على إثر الإطاحة بنظام الرئيس السابق، عمر البشير، تتجه إليه أنظار العالم مجددًا، عقب قدوم وفد رسمي من المحكمة الجنائية الدولية، بقيادة المدعية، فاتو بنسودا، لخوض جولة مباحثات، بدأت مساء السبت، وممتدة لنحو ثلاثة أيام؛ والتشاور مع االحكومة الانتقالية السودانية بشقيها المدني والعسكري، حول تسليم الرئيس السوداني السابق، وعدد من ساسة نظامه البائد المطلوبين للمثول أمام الجنائية الدولية، منذ العام 2009، على خلفية اتهامهم بالضلوع في جرائم ضد الإنسانية ارتكبها نظام البشير في إقليم دارفورعام 2003.

سيناريوهات عديدة يطرحها المحللون حول مآلات تلك القضية الشائكة، وجدل وتساؤلات عديدة تشهدها الساحة السياسية السودانية؛ فهل ثمة توافق سياسي حول تسليم السودان، الرئيس المخلوع، عمر البشير، وساسة نظامه البائد للمحاكمة في «لاهاي»، أم أنه هناك من يعتبر ذلك تعديًا عل السيادة الوطنية، وما هي السيناريوهات الأرجح في حال لم يتم تسليمه، وأيضًا هل ثمة مخاوف من تكرار سيناريو، الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين، وما هي العقبات والمخاوف التي تحول دون تسليم البشير؟

وصل وفد من المحكمة الجنائية الدولية، بقيادة المدعية، فاتو بنسودا، مساء السبت إلى الخرطوم، في زيارة رسمية تمتد حتى الحادي والعشرين من أكتوبر الجاري؛ لإجراء مباحثات، مع الحكومة الانتقالية السودانية، بشقيها المدني، برئاسة حمدوك، والعسكري برئاسة عبدالفتاح البرهان، حول تسليم المتهمين الذين أصدرت الجنائية الدولية أمر بضطهم، على رأسهم، الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، وعدد من ساسة نظامه البائد، حسبما أعلنه مكتب رئيس الوزراء السوداني، عبدالله حمدوك، في تصريح مكتوب نلقته وسائل الإعلام السودانية، مساء السبت.

يأتي ذلك عقب أيام قليلة من استجواب البشير للمرة الأولى أمام محكمة سودانية، حول جرائم إقليم دارفور، إذ أعلنت النيابة تقديم الملف كاملًا للجنائية الدولية.

ويختلف أطراف الحكومة الانتقالية، بشقيها المدني الذي يمثله مجلس الوزراء، برئاسة عبدالله حمدوك، والعسكري، الذي يمثله مجلس السيادة، برئاسة عبدالفتاح البرهان، حول مدى استعداد السودان لتسليم البشير وعدد من رموز نظامه إلى العدالة الدولية؛ ففي فبراير الماضي، أعلن وزير الإعلام السوداني، فيصل محمد صالح، استعداد الحكومة الانتقالية إرسال الرئيس السابق إلى «لاهاي» لمحاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية أو مثوله أمام محكمة خاصة، في حين صرح الفريق، صلاح عبدالخالق، عضو المجلس السيادي، بأن تسليم البشير «خط أحمر»، كما اعتبر المدعي العام السوداني، لاحقاً أن هذا الملف «قضية سيادية». ولم تتخذ الحكومة الانتقالية بشقيها المدني،أو العسكري أي خطوة رسمية في اتجاه تحديد مصير محاكمة البشير حتى الآن.

هنا تستطلع المصري اليوم، تحليلات عدد من الخبراء القانونيين والسياسيين السودانيين، حول كيف ينظر السودانيون إلى تلك القضية الشائكة، وهل ينتوي السودان، تسليم البشير وساسة نظامه للجنائية الدولية، أم أنا يعتبر ذلك تعديًا عل السيادة السودانية، وما هي السيناريوهات الأرجح في حال لم يتم تسليمه، وهل ثمة مخاوف تحول دون تسليم البشير إلى الجنائية الدولية؟

3 سيناريوهات

ويرى الدكتور، حسين الضو، المحلل السياسي السوداني، ورئيس «مبادرة التيار المدني الحر» أن هناك ثلاث سيناريوهات مطروحة لمحاكمة البشير، فإما أن يتم تسليمه للمثول أمام المحكمة الدولية في «لاهاي» استجابة لمطالبات أهالي ضحايا إقليم دارفور، أوأن تدشن المحكمة الجنائية الدولية، مقرًا لمحكمة هجين يتعاون فيها القضاء الوطني السوداني مع قضاة المحكمة الجنائية الدولية، أو أن يكتفي القضاء السوداني بمحاكمة البشير داخليًا.

جدل بين المكون المدني والعسكري

و يستبعد «الضو»، أن يتم تسليم البشير للمثول أمام المحكمة الدولية في «لاهاي»، نظرًا لوجود عدد من العقبات والتعقيدات أمام تلك القضية «الشائكة»، أولها غياب مؤسسات وطنية منتخبة تحسم الجدل الدائر في الداخل السوداني بين المكون المدني والمكون العسكري في حكومة الفترة الانتقالية؛ إذ يؤيد المكون المدني، بقيادة، رئيس الوزراء، عبدالله حمدوك مطالب أهالي ضحايا دارفور بمثول البشير أمام المحكمة الدولية، بينما يعتبر المجلس السيادي، بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان، ذلك انتهاكًا للسيادة السودانية، بل أن بعضهم ذهب لأن تسليم البشير «خط أحمر».

ويرى معاوية خضر الأمين، المستشار القانوني، بالخرطوم، وأحد القائمين على الدعاوى المقدمة ضد البشير، أن قدوم وفد من المحكمة الجنائية الدولية إلى الخرطوم، هو خطوة متقدمة في مجريات محاكمة البشير وأعاونه ممن أرتكبوا جرائم حرب ضد الشعب السوداني، مشيرًا لضرورة تسليم البشير لضمان حق السودانيين في القصاص العادل.ولفت «الأمين» أن ممانعة بعض أعضاء مجلس السيادة، ممن يمثلون الشق العسكري في الحكومة الانتقالية الحالية، غير قانونية، وبها مخالفة صريحة للقوانين والأعراف الدولية، لافتًا أن من يمانعون تسليم البشير «يخشون مواجهة المصير ذاته».

هل يمثل البشير للمحاكمة في «لاهاي»؟

ويرجّح الدكتور محمد الناير، المحلل السياسي السوداني، سيناريو «المحكمة الهجين»، لافتًا أن الأرجح أن يستقر كلا المكونين المدني والعسكرين في الحكومة الانتقالية إلى إقامة محكمة مختلطة يتعاون فيها القضاء الوطني السوداني، مع الجنائية الدولية، على أن تنعقد جلساتها تلك المحكمة الهجين، في الخرطوم، كحل وسطي، يجنب السودان الغضب الدولي الذي قد يخلفه رفض تسليم البشير، خارجيًا، كما يجنبها خطر الانزلاق إلى حرب أهلية، أو نشوب صراعات سياسية بين المكونين المدني والعسكري في الحكومة الانتقالية، في الداخل السوداني. مضيفًا أنه لا داعي لتسليم البشير للقضاء الدولي، طالما أن القضاء السوداني الوطني، لا يزال متماسكًا«.

مخاوف متعلقة بـ«السلم الاجتماعي»

في الاتجاه ذاته يرى الدكتور، حسين الضو، المحلل السياسي السوداني، ورئيس «مبادرة التيار المدني الحر»، أن اللجوء ل«محكمة هجين» هو الحل الأرجح والأسلم، لكسب كل الأطراف خارجيًا وداخليًا؛ نظرًا لكون تسليم البشير إلى الجنائية الدولية قد يزلق السودان نحو حرب أهلية، لا سيما في ظل وجود عدد من مؤيدي البشير، قد يكون بينهم ميليشيات عسكرية. مرجحًا أن هناك مخاوف حول تكرار سيناريو، الرئيس العراقي، الأسبق، صدام حسين.

ويقبع الرئيس المخلوع، عمر البشير، في السجون السودانية، منذ الإطاحة به في 11 من إبريل الماضي، للمثول أمام القضاء السودانية، لمحاكمته في جرائم ارتكبها نظامه بحق الشعب السوداني، وأصدرالقضاء السوداني، بقيادة النائب العام السوداني تاج السر الحبر، بيانًا، في ديسمبر الماضي،عقب الإطاحة بنظام البشير، في الـ11 من إبريل الماضي، لفتح باب التحقيق فيما نُسب للرئيس المخلوع، عمر حسن البشير، و51 من مساعديه وساسة نظامه البائد، على إثر اتهامهم من قبل المحكمة الدولية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، إثناء النزاع الدامي الذي شهده أقليم «دارفور» عام2003.

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية، مذكرتي توقيف بحق البشير، وإثنين من معاونيه،هما على كوشيب، وأحمد هاون، في عامي 2009 و2010، على إثر اتهامهم بالضلوع في «جرائم بحق الانسانية» و«جرائم حرب» أثناء النزاع المسلح الذي شهده «إقليم دارفور» الواقع غربي السودان بين البشير و«متمردي دارفور» والذي خلف 300 ألف قتيلًا، ونزوح 2.5 مليون مواطنًا، بحسب تقارير الامم المتحدة.