مشاعر «الوطن الأم» فى أعمال «سام ومى»

كتب: آية كمال الجمعة 16-10-2020 21:44

معرضان بجاليرى الزمالك فى نفس التوقيت، تختلف مسمياتهما ومضمون الأعمال التى تتنوع ما بين لوحات ومنحوتات، لكنهما يجتمعان فى رونق الفن والمشاعر الداخلية التى تضفى جمالا على أعمال هؤلاء الفنانين، وقرر «أيقونة» أن يأخذكم معه فى زيارة إلى بيت الفن، لاستكشاف معرض الفنانين سام شندى ومى رفقى بالجاليرى.

صور أيقونة

صور أيقونة

صور أيقونة

يعود الفنان المصرى المولد والنشأة سام شندى إلى وطنه الأم بمجموعة متميزة من أعماله النحتية، التى تعرض لأول مرة فى مصر بقاعة الزمالك للفن تحمل اسم «الوطن.. الأم»، كبداية للموسم الفنى الجديد بالقاعة. احتفاء بتلك الذكريات التى شكلت طفولته، وقد اختار شندى، الذى يقيم فى بريطانيا، مجموعة «الأم والطفل» فى مصر، لاسيما التى تتعلق بأمه وكذلك بكافة النساء فى علاقتهن بأبنائهن.. إذ يقترب الفنان برهافة شديدة من مشاعر الأم فى علاقتها بطفلها، بداية من مرحلة التكوين، بل علاقة المرأة بجسدها ومشاعرها والرحلة التى تخوضها فى سبيل منح هذا الكائن الصغير الحياة.

ويركز شندى فى معرضه على معاناة المرأة فى تلك الرحلة.. إذ إنها رحلة صعبة بلا شك تتطلب شجاعة وقوة، كى تمكن المرأة من تقبل تلك التغيرات التى تحدث بجسدها، بما فى ذلك زيادة الوزن، وعلامات الحمل، والتعب والإرهاق، والليالى المؤرقة قبل وبعد الولادة، تلك الرحلة التى لا تتوقف عند التغيرات الظاهرية أو الفسيولوجية بل تمتد لآثار نفسية عميقة قد تصل لحالة الاكتئاب، ولكن الأصعب فى الرحلة هو أن المرأة تخوضها وحدها فغالبًا لا يتفهم الرجل ما تعانيه.

وأراد شندى فى معرضه أن يبعث رسالة إلى كل أم مرت بهذه الصعوبات، مقدمًا لها الدعم من خلال أعماله التى تمتدح شجاعتها فى سبيل الحياة التى تهبها. كما تثير أعمال سام شندى الشعور بالانتماء للجذور، إذ تعتبر الأم هى الوطن الأول الذى ينتمى إليه الأبناء، وهى من تغرس بداخلهم كافة القيم التى يكتسبونها من معايشتهم معها.

وعلى الرغم من كون منحوتاته تتسم بالحيوية والبهجة الشديدة فى اختياره للألوان الزاهية البراقة التى قد تقترب من ألوان ألعاب الأطفال والتى تثير فى النفس إحساسًا بالسعادة، وكذلك بساطة الطرح المتناهية، إذ يميل سام إلى التجريد والاختزال فى شخوصه وفى تصوره للجسد الإنسانى، إلا أن تلك البساطة تحمل عمقا فلسفيا كبيرا، إذ تغوص فى أعماق النفس البشرية، كاشفة عن خفاياها وتعقيداتها. ولاختيار الألوان فى أعمال شندى كذلك فلسفة ترتبط بالمعنى، فإذا كانت تعكس- من جهة- رسوخا قويا فى التشكيل الحديث من خلال توظيفه ألوانًا براقة فى منحوتاته، المصنوعة فى الغالب من مختلف الخامات العصرية المتميزة والاستثنائية، كالأصفر البراق، والبرتقالى، والليمونى والبنفسجى وغيرها من الألوان التى ترتبط فى الأذهان كذلك بالتصميمات العصرية، فإنها من جهة أخرى تحمل دلالات لها علاقة بالمضمون، فعادة ما يلجأ للأبيض للتعبير عن الشفافية والوضوح، والأخضر للأمل، والأحمر للغضب، أما الأزرق فهو لون الحزن والمعاناة.

أما الفنانة مى رفقى، فهى تجيد نثر الزهور على مسطحها الفنى، حتى لتتحول الأجساد التى ترسمها، والتى تعد مفردة أساسية من مفردات التعبير لديها، إلى حدائق وبساتين ومزهريات.

فى معرضها الحالى الذى يحمل اسم «منقول» تعاود «رفقى» توظيف مفرداتها الأساسية التى تتضافرعلى المسطح خالقة عالما حالما جميلا من تفاصيل عدة، تتنوع بين الزخارف بمختلف أنماطها وأشكالها والزهور والنباتات.

وقد خلقت الفنانة لنفسها مناخا خاصا ليس باستخدام المفردات وحسب، بل من خلال طاقة لونية مباغتة ومبهجة، لكن ذلك الطرح البصرى يقودنا فى «منقول» لموضوع فلسفى عميق حول مصادر الإلهام ومنابعه لدى كل فنان، إذ تتوقف «رفقى» عند الخط الرفيع الفاصل بين الاستلهام والاقتباس والنقل، وكأنها أرادت أن تكشف للمتلقى ما يحدث فى الكواليس، تماما كما تستكشف هى- فى كل عمل فنى- العالم وتعيد قراءته من خلال رحلتها الفنية. فى معرض «منقول»، اعتمدت «رفقى» بشكل كبير على الصور المتداولة عبر المواقع الإلكترونية والتى قامت بتجميعها والعودة إليها مرة بعد مرة، بما فى ذلك الصور الفنية الفوتوغرافية للمصور إدوارد ويستون، وصور الأداء الحركى للفنان نيك كيق الذى يجمع بين كونه نحاتا وراقصا وفنان أداء، وغيرهما من الفنانين، ذلك إضافة إلى المشاهد التى صورها المصرى القديم على جدران المقابر والمعابد، وزخارف السجاد المغربى التقليدى، وتصميمات المنسوجات وورق الحائط، والفنون التلقائية من شوارع القاهرة، وغيرها من الصور لم تكن فقط مصادر إلهام بل شكلت المرجعية البصرية المباشرة لكل الأعمال. ويحمل اسم المعرض «منقول» أكثر من دلالة؛ إذ إنه يتجاوز فكرة تأثر فنان بعمل فنان آخر، أو انتقال عنصر من وسيط لآخر، ولكن على صعيد أعمق يمكن كذلك متابعة ذلك التطور الذى تشهده تجربة مى رفقى، وانتقالها من مرحلة لأخرى بكل ما تحمله من خبرات وذكريات، ليصبح المسطح بمثابة مدونات تؤرخ ليوميات مى بكل تفاصيلها.

وتولى رفقى التفاصيل اهتماما خاصا، فالتفاصيل هى التى تشكل الحياة، ومع تغير التفصيلات تتغير النتائج، كذلك فإن إعادة ترتيب الأشياء بصورة مختلفة تمنحها معانى جديدة فى كل مرة، ومن ثم تصبح بوابة للعبور، ووسيلة للفرار من دائرة التكرار التى هى سمة رئيسية من سمات الحياة. يقوم عالم «رفقى» على مجموعة من المتناقضات المتآلفة، التى تخلق حيوية لعالمها التشكيلى، فبينما تعتمد فى الغالب على الزخارف، لاسيما الإسلامية، والتى تقوم على نمط صارم من التكرار نجد أن حركة الجسم التى توظفها عشوائية وحرة تماما.. كذلك فإن هناك دائما فارقًا بين الدلالات التقليدية النمطية لكل رمز من الرموز المتكررة والمضامين الجديدة التى تطرحها.. وما بين اللون والخط، والأبيض والأسود والألوان، والكتلة والفراغ، والحركة والسكون يتشكل عالم مى رفقى.. وليس هذا فحسب بل إنه بين سكون الجسد نفسه على المسطح ومحاولة الفنانة تسجيل الحركة يظهر تناقض جديد، كذلك فإن الأجساد الساكنة على المسطح تحمل فى داخلها حركة.

ومن خلال معرض «منقول» تقدم «رفقى» عدة تجارب فنية جديدة، إذ يعتبر عملها الفنى المميز الذى أبدعته بطريقة «الباتش ورك»، واحدا من القطع المختلفة، ويجمع ذلك العمل ما يقرب من 70 لوحة صغيرة، رسمتها الفنانة على مدى أيام متفرقة كمدونات يومية بأساليب مختلفة، وقامت بتجميعها معًا باستخدام الخيط.