صداقة وطيدة وحوارات وجلسات عديدة جمعت الإعلامي عمر زهران بالفنان الكبير الراحل محمود ياسين، ومنذ فترة رصد زهران المشوار الحافل الفني والإنساني لفتى الشاشة الأول في مقال تحت عنوان «محمود ياسين.. دولة الأخلاق في الوسط الفني» نشرته «المصري اليوم» منذ فترة، وبمناسبة رحيل الفنان الكبير محمود ياسين نعيد نشره مجددًا..
لاحظت كثيرا حينما تجمعنا الأمسيات والجلسات والحوارات حين يأتى ذكر الفن وأهله تجد شغفا شديدا للاستمتاع والاسترجاع لقصص وحكايات ربما أغلبها من نسج خيال البعض، وربما جانب القليل منها الحقيقة بعض الشىء..إلا أن مجملها يدور حول السلبيات الأخلاقية لأهل الفن.. وقصص تجاوزاتهم الأخلاقية.. أتفق معك في أن هناك بعض السلوكيات التي تصدر دوما من بعض الأشخاص الذين يحسبون على الفن وأهله.. وكلنا نعلم أنهم لا علاقه لهم بالفن.. لا من بعيد ولا من قريب.. ومن الظلم أن نعتبرهم فنانين وأن ما يقدمونه يعتبر فناً.. والعجيب أنه حتى أهل الفن أنفسهم لايزالون يجسدون على الشاشات أدوارا لممتهنى الفن بنفس النظرية.. فنجد الفنان التشكيلى دوما شخصية بوهيمية.. وكأنه مجنون، والممثل دوما يحتسى الخمر ويقامر ليل نهار.. وحياته تبدو كزير نساء، ناهيك عن الراقصة وأدوارها.. والعار الذي يلازمها كشخصية على أرض الواقع طوال العمل الفنى.. إلا أن الأخلاق في الوسط الفنى موجودة وبقيمة كبيرة ولدينا أسماء ورموز أمتعونا.. ومازالت لهم أعمال تحمل في جوهرها قيما أخلاقية كبيرة.. واستطاعوا أن يحافظوا على صورتهم لدى جماهيرهم.. فاستحقوا أن يُتوَّجوا كقدوة حسنة لمن يريد.
ربما تكون حياتهم ومواقعهم تبدو للبعض غير مشوقة لأنها تخلو من الفضائح والشائعات.. كانت هذه مقدمة لحديثى اليوم.. والذى أخذت له عنوانا: «دولة الأخلاق في الوسط الفنى.. محمود ياسين».
يوما ما كنت مخرجاً لأحد البرامج التليفزيونية على قناة «اقرأ» الفضائية، وكانت تقدم البرنامج الفنانة شهيرة بعد اعتزالها العمل الفنى، وطوال أيام التصوير وأنا أرقب السيدة الفنانة شهيرة وهى تمسك بالإسكريبتات وتُعيد قراءتها تليفونيا، وتعدل، وتضيف، وتنطق بعضا من الآيات القرآنية بصوت مسموع، وهناك من يعاود الكلام معها على الخط الآخر وكأنه مدرب لغوى يُراجع مع أحد متدربيه مخارج الألفاظ والحروف والتشكيل، بعدها بقليل علمت أنه النجم الكبير، محمود ياسين، الزوج والحبيب والعاشق، لمحبوبته وزوجته، والذى يدرك واجبه كزوج معها في المقام الأول، ويشعر بالامتنان تجاهها دوما، وتعلمت درسا لكم أعجبنى وكثيرا ما ذكرته على الدوام بين أصدقائى في الوسط الفنى وخارجه، خاصة الشباب، منه بعد عرض حلقات البرنامج، وجهت لى وللسيدة شهيرة دعوة من إحدى المؤسسات في إحدى الدول العربية الشقيقة وأقيمت ندوة دعى إليها العديد من سيدات هذا القطر العربى، وبعض المثقفين والإعلاميين، وكان من المفترض أن تلقى الفنانة شهيرة ما يشبه المحاضرة عن مضمون تجربتها في الحقل الفنى وأيضاً ما وراء قرارها بالابتعاد عن الفن، وقتها أذكر أن النجم الكبير كان يتابع معى من خلال الخط الدولى لحظة بلحظة تفاصيل الندوة، ومدى اتجاهات الأسئلة، ومدى انسجام شهيرة معهم في الموضوعات التي تطرح، وردة فعل الحاضرين، وازدادت دهشتى من هذا السلوك الراقى لهذا النجم الكبير، وأدركت يومها لماذا شيد محمود ياسين صرحاً عائليا يندر أن تجد مثيلا له في الوسط الفنى زوجة واحدة هي الزوجة والصديقة والعشيقة، وهى كما وصفها يوما ما لى بأنها ابنته البكرية ونجمة أسرتنا الصغيرة، فأقام لهذه الأسرة دستورا أخلاقيا لم يتجاوز خطوطه أحد منهم، وقدم لنا رؤية مختلفة وحقيقية عن الفن والفنانين الحقيقيين حينما استطاع أن يحطم الشكل التقليدى المتعارف عليه لبوهيمية الفنان، والذى يدعى بعض من أدعياء الفن من خلال إطاره أن الفنون جنون وأن حياة الفنان الحقيقية تدور دوما في فلك عشقه لذاته وملذاته وأن أنانية الفنان ونرجسيته جزء من قدرته على الإبداع، وأن الفنان خلق ليهيم داخل ذاته، ولذلك تفشل كل زيجات النجوم وتبنى بيوتهم على قدر كبير من عشوائية المفاهيم فلم يجنح يوما ما هذا النجم الكبير في أي اتجاه خارج حدود الأخلاق والأدب والالتزام، ولم نقرأ يوما ما خبرا واحدا عن محمود ياسين ولا عن أي من أسرته في صفحات الحوادث والقضايا، ولم نلهث وراء مانشتات ساخنة عنه في صحف صفراء من أجل الدعاية لفيلم ما وقت أن كانت السينما هي محمود ياسين، ومحمود ياسين هو كل مفردات الشاشة المصرية بنجومية طاغية ووجه مصرى الملامح فرعونى الشموخ وصوت جعل الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب يتصل به يوما ما تليفونيا ليداعبه قائلا له: «قررت ألحن لك يا محمود من جمال صوتك».. وكان وقتها قد قرر الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب أن يسجل أبياتا شعرية بصوت محمود ياسين ليعانق بصوته صوت القيثارة وردة الجزائرية في أنشودة مصر.. ومن يسمعها يجد نفسه أمام لوحة فنية بديعة الصنع، يهتز لها وجدانك ومشاعرك، وحينما تهدأ الموسيقى لينطلق صوت نجم مصر بحنجرته الذهبية تشعر بوقار عجيب وكأنك في حالة وجد مع عزف لإحدى السيمفونيات العالمية التي تعزف في جلال وفخامة منقطعة النظير.
عدت بذاكرتى للوراء بعضا من سنوات العمر، حينما كنت في مرحلة الدراسة الثانوية في مدرسة الأورمان بمنطقة العجوزة، حين أخبرنا أحد زملائنا في المدرسة أنه يقطن في شارع المدينة المنورة، القريب بعض الشىء من مدرستنا، وأن بيته يُطل على إحدى بلكونات النجم الكبير محمود ياسين، وبدأنا رحلات جماعية غير رسمية يوميا بعد انتهاء اليوم الدراسى نذهب جميعنا لنعسكر أمام بيت نجم السينما المصرية وفارسها الأول محمود ياسين، لعلنا نحظى برؤيته ولو مرة واحدة، ولكن باءت محاولاتنا بالفشل، فقط شاهدنا البلكونة التي أقسم لنا زميلنا أنه قد رآه من خلالها ذات مرة، نعم كان محمود ياسين وقت أن بدأ فرسان السينما المصرية يتأهبون لمغادرة حلبة البطولة المطلقة على شاشة السينما المصرية أمثال فريد شوقى، أحمد مظهر، شكرى سرحان، عماد حمدى، كانت أفيشات السينما وشاشتها الذهبية تستعد لاستقبال هذا النجم المصرى الجديد صاحب الحنجرة الذهبية محمود ياسين.
لا تكاد تذكر اسم النجم الكبير محمود ياسين أمام أي فنان ممثلا كان أم ممثلة، مطربا، منتجا، مخرجا، إلا وفجأة تكسو ملامح وجه المتحدث هالة من الاحترام والتجرد، ويبدأ حديثا في الحب وعن الأخلاق والالتزام، شخص بالفعل عجيب، فلم نجد أحدا يشكو من خلاف ما قد حدث بينه وبين محمود ياسين، ولا تسمع عن موقف له في كواليس أي عمل قام به أو أنه حدث أي تجاوز منه في حق زميل له، وما أكثر مواقف الكواليس التي يعلمها العاملون في الوسط الفنى جيدا، وأذكر أننى كنت أتحدث مع النجمة الكبيرة سهير البابلى عن الكواليس في الأعمال الفنية، وفاجأتنى بجملة أبدا لا أنساها، قالت لى: «أعظم من رأيته في كواليس العمل الفنى هو محمود ياسين»، ولفتتنى عبارتها فعاودت أسألها لماذا؟ قالت لى بنظرة عميقة اسأل أي زميل عمل معه ومن لم يعمل، الجميع يعلمون أنه مدرسة الأخلاق في التعامل مع الزملاء.. وأنهت كلامها بعبارة من أروع ما يمكن أن يقال عن هذا النجم حين قالت: «إنه يُحرجك بذوقه الكبير».
صوت محمود ياسين كان يوما ما سببا مباشرا وكبيرا للأن يقف بطلا للمرة الأولى أمام النجمة الكبيرة شادية في رائعة المخرج حسين كمال (نحن لا نزرع الشوك).. وذلك حين جمعت الظروف في أحد أستديوهات الدوبلاج الجميلة شادية والرائع حسين كمال والممثل الشاب وقتها محمود ياسين حينما قام بدور صغير للغاية لا يكاد يتعدى الجملة الواحدة.. في التحفة الخالدة (شىء من الخوف) وتصادف أن حضرت شادية إلى الأستديو لتقوم بعمل الدوبلاج لبعض الجمل التي أدتها في الفيلم، لحظتها كان الممثل الشاب الصغير محمود ياسين يُسجل جملته الوحيدة في الفيلم، وحينما دخلت شادية الأستديو قال لها حسين كمال: «هخرج الممثل الشاب ده ويسجل بعدين»، لكن الرائعة شادية قالت له: «مش مشكلة خليه يخلص وأنا قاعدة شوية معاك».
ويبدأ الممثل الشاب محمود ياسين مداعبا بحنجرته، ويلون بعبقرية صوته أنامل الميكروفون، ويصل بصوته عنان الإبداع، ويهبط كطائر متعه الله بكل ألوان الطيف في جناحيه وكأنه صقر أو نسر يستعرض قوته برجولة وشموخ، ونظرت شادية إلى حسين كمال ولم تتحدث، ونظر حسين كمال إليها فلقد وصلت الرسالة لأن حسين كمال كان قد تحدث هو وشادية في مشروع فيلم (نحن لا نزرع الشوك)،وطوال تصوير فيلم (شىء من الخوف) وحسين كمال يراقب ويتفحص هذا الشاب المصرى الأسمر فرعونى الملامح والتفاصيل، وفى ذهنه البحث عن وجه جديد يقوم بدور البطولة أمامها في تحفة الكاتب الكبير يوسف السباعى (نحن لا نزرع الشوك)، وبالفعل حينما حضرت شادية للأستديو لتسجل بصوتها جملها في الفيلم ليتم وضعها على الصورة السينمائية والمعروفة بطريقة الدوبلاج استمعت هي وحسين كمال لمحمود يؤدى بصوته الجملة المطلوبة منه، وبمجرد انتهائه كانا قد قررا بالفعل تقديم محمود ياسين بطلا ونجما أمام العظيمة شادية
ولإسناد هذا الدور إلى محمود ياسين كان وراءه قصة أشبه بالقصص الميلودراما السينمائية، حيث إن الأقدار قد لعبت دورا في هذه القصة التي لا أبرح أن أحكيها دوما لأى من الوجوه الجديدة، التي ينتابها أحيانا قدرا من اليأس أو التشاؤم، أو يواجهون بعضا من العثرات في طريق نجوميتهم وعملهم بالفن.
أتمنى أن أكون دقيقا وأنا أحكيها حسبما سمعتها من كل من النجمين الكبيرين نجم الإخراج الأستاذ الراحل حسين كمال، وأيضا سمعتها من الرائع دوما النجم الكبير أطال الله في عمره الفنان محمود ياسين، فبمجرد أن فاجأ حسين كمال محمود ياسين بوقوع اختياره عليه بطلا أمام العظيمة شادية إلا وفاجأه محمود ياسين بمفاجأة أكبر، حيث إنه قد وقع مع المخرج الكبير يوسف شاهين على بطولة فيلم أمام سعاد حسنى وهو فيلم (الاختيار)، وكاد حسين كمال أن يُجن من الغيظ، فلقد كانت لديه رغبة عارمة في أن يقوم هو بتقديم محمود ياسين بطلا للمرة الأولى، لكن القناص يوسف شاهين كان قد شاهده على خشبة المسرح القومى بطلا لأحد العروض المسرحية التي كان يقدمها نجمنا الكبير محمود ياسين، حيث كان قد لمع كممثل مسرحى في العديد من الأدوار.
وجُن جنون محمود ياسين، فلقد كان الوقوف بطلا أمام شادية بكاميرا حسين كمال حلما لا يجرؤ وجه جديد على أن يخطر بباله أو خياله.
وإزاء هذه المعضلة طلب حسين كمال منه الذهاب ليوسف شاهين ومصارحته برغبته في أن يقوم بالعمل في فيلم نحن لا نزرع الشوك أولا.. وخاصة أن المنتج الفنان رمسيس نجيب كان قد وقع بالفعل مع الوجه الجديد محمود ياسين.. لكن يوسف شاهين اعترض وهدد محمود ياسين بأنه سيسحب منه الدور.. وسيعلن للجميع أنه لا كلمة له بعد انسحابه من الفيلم بعد التوقيع.. وحاول محمود ياسين جاهدا أن يقنعه بأن حسين كمال سينتهى من تصوير فيلمه قبل أن يبدأ هو في التصوير لكن شاهين رفض وأصر على أن يعتذر محمود ياسين لحسين كمال ويمزق عقده مع رمسيس نجيب.. واكتأب محمود ياسين وكان في حيرة من أمره ولملم أحزانه وذهب لحسين كمال ورمسيس نجيب ليبث لهما همه ويؤكد.. إنه مضطر للالتزام بعقده مع شاهين.. وحذره حسين كمال من هذا القرار وتبعياته، ومزق رمسيس نجيب عقد بطولة الوجه الجديد محمود ياسين أمام النجمة شادية.
وعاد محمود ياسين إلى مكتب يوسف شاهين ليبلغه بأنه قد رضخ لرغبته، وأنه قد اعتذر للمخرج حسين كمال وللمنتج الكبير رمسيس نجيب عن الفيلم، كان يحكى ذلك ليوسف شاهين، وقلبه يعتصر ألما على هذه الفرصة الضائعة، وكان يتصور أن يوسف شاهين سيسعد لهذا الخبر، وسيقدر تضحية محمود ياسين له، لكن كانت المفاجأه التي كادت تفقده وعيه، فلقد اعتذر له يوسف شاهين عن إسناد الدور له بطريقة بها الكثير من روح التشفى والانتقام، وأنهى المقابلة معه وبأسرع ما يكون.
نزل محمود ياسين من مكتب يوسف شاهين وقد اسودت الحياة في عينيه، ولا يدرى ماذا يفعل، فلقد خسر فجأة كل شىء فلا هو يستطيع أن يعود لحسين كمال ولا يمكن أن يقبل إهانة يوسف شاهين، وهنا أتوقف معكم لأحكى عن شاب صغير كان يعمل مع يوسف شاهين مساعدا للإخراج تحت التدريب، واستمع وشاهد جيدا ما فعله يوسف شاهين مع الوجه الجديد وتعاطف معه كثيرا، وغضب من يوسف شاهين وتركه وذهب وراء هذا النجم الشاب محمود ياسين، ليهدئ من روعه ويهون عليه، ويا لأعاجيب القدر لقد كان هذا الشاب هو النجم الوسيم حسين فهمى، الذي ترك مهنة الإخراج، وأصبح بعد ذلك نجما كبيرا ينافس بشرف محمود ياسين ويقاسمه العديد من البطولات.
مضى محمود ياسين إلى قدره وأحزانه، ولم يجد سوى معشوقته شهيرة التي كانت في انتظاره في مطعم إكسليسيور الشهير في وسط البلد، ليبث لها جبال الأحزان بداخله، ويمضيان سويا يقطعان الشوارع وسط طوفان من البشر، يحملان فوق أكتافهما كل أحزان العمر، تحاول محبوبته أن تهون عليه، لكن الشوارع والطرق تمضى بهما، وهما لا يدريان أين هما ذاهبان، وصلا إلى ميدان التحرير ثم ميدان الجيزة، سيرا على الأقدام حتى انتهى بهما المطاف إلى شارع الهرم، وبالتحديد شارع علوبة، نعم شارع علوبة في الهرم شهد أكبر حزن في حياتهما يوما ما، فلقد كان هذا الشارع هو المكان الذي شهد كل النجاحات وأروع الأيام، وكل أمجاد النجم الكبير، بل نجم العالم العربى كله، وضم هذا الشارع بكل حب وحنان أسرة الفنان الكبير محمود ياسين في قصر فخيم، ما زال يشهد أيامهما الجميلة مع النجم عمرو ياسين والنجمة رانيا ياسين، وست الكل النجمة الطيبة شهيرة.
لقد هونت شهيرة يومها على محمود ياسين وشجعته ليعود مرة أخرى لحسين كمال ويرجوه ليتفهم الوضع، ويعذره، لكن حسين كمال كان قد أخذ الموقف على كرامته وكبريائه وخاصة أنه قد خاض معركة كبيرة مع رمسيس نجيب ليوافق على إسناد الدور للوجه الجديد محمود ياسين وكان يرى هذا الدور يجب إسناده إلى حسن يوسف، وأصر حسين كمال على تقديم محمود للسينما، وبعد ذلك رفض حسين كمال، وشعر محمود ياسين بوجع داخلى وحزن لا حدود له، إلى أن علمت العظيمة شادية بالأمر، وأشفقت على هذا الوجه الجديد من هذا الموقف المؤلم، وذهبت بنفسها إلى رمسيس نجيب واستسمحت حسين كمال، وخاطبت المناطق الإنسانية في شخص المخرج والصديق حسين كمال، والتى وحدها كانت تجيد التعامل معها، فلقد كان حسين كمال ضعيفا أمام شادية، وكان مبهورا بها كفنانة.
فقدر حسين كمال تدخل شادية، وأكبر لها إنسانيتها واقتناعها الشديد بوجهة نظره وحماسه الشديد لهذا النجم، الشاب الذي فور انتهائه من عرض، نحن لا نزرع الشوك، تلقى مكالمة من سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة تعرض عليه بطولة الخيط الرفيع، لينطلق صاروخ النجاح بنجم النجوم بلا توقف.
نعم أصبح محمود ياسين النجم الأول في مصر والعالم العربى، وتسابقت كل النجمات في مصر للوقوف أمامه، فلم نجد نجمة في تاريخ السينما المصرية إلا وكان لها شرف البطولة مع محمود ياسين بداية من سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، وشادية ونادية لطفى وسعاد حسنى ونيللى وميرفت أمين وبرلنتى عبدالحميد، وسميحة أيوب ونجوى إبراهيم ونجلاء فتحى ونجاة الصغيرة ويسرا وإلهام شاهين ونادية الجندى ونبيلة عبيد وصفية العمرى، لا توجد نجمة مصرية لم تشارك هذا العملاق الكبير في وقت كانت فيه السينما المصرية تؤرخ من خلال أعمال هذا الفنان، وامتلأت شوارع المحروسة بأفيشات أفلامه وروائعه، وكما ذكرت لا أحد يشكو من غرور محمود ياسين ولا من عنترة محمود ياسين، ولا من سيطرة محمود ياسين، يعمل أكثر، ويشتهر أكثر. ومزيد من الأفلام، والمسرحيات والمسلسلات، وآلاف من السيناريوهات كلها في انتظار أن يقرأها النجم الكبير ليحظى المنتجون بشرف التوقيع مع محمود ياسين، كل هذه النجومية والتألق والنجاح، وهو يعود إلى معشوقته، إلى نجمة قلبه ونجمة عائلته، إلى المحبوبة شهيرة، فلا مجد أكبر من سعادة عائلته، ولا أروع من أن يحتضنهم كل ليلة، ليرتشف من عطر حبهم، وعشقهم له، ويروى بروحه وأخلاقياته، ومبادئه أرضا من الطهر، يجنى ثمارها الآن.
ولمن لا يعرف، إنه حينما أراد المخرج الكبير يوسف شاهين أن يقابله ليعرض عليه عملا لم يجد لديه وقتا يقابله فيه، سوى لحظات الراحة التي يقتنصها بين المشاهد في غرفة راحته في الاستديوهات التي يعمل فيها، وبالفعل قابله يوسف شاهين وعرض عليه العمل معه، وأدهشه كثيرا هذا القدر من الود والأدب الذي قابل به النجم الكبير مخرجنا العالمى حينما زاره في الاستديو، بعد أن قام بطرده يوما ما من مكتبه، لكن كانت، وستظل هذه هي أخلاقيات نجم النجوم، محمود ياسين، صاحب مدرسة الأخلاق في الوسط الفنى.