من مفارقات الحياة.. خواطر متجددة

جلال مصطفى السعيد الخميس 15-10-2020 02:58

منذ أن كتبت مقالى السابق فى «المصرى اليوم» فى 20 يوليو الماضى بعنوان «من مفارقات الحياة»، وأنا أتلقى اتصالات عديدة من أصدقاء يقولون إن فى حياتهم مفارقات من نفس النوع، ووجدوا بعض المعقولية فيما قلته حول تفسير ظاهرة أن يلتقى الشخص مع آخرين فى مرحلة سنية معينة وفى ظروف وملابسات وتنشأ بينهم علاقات تكون هى ابنة ظروفها، ثم تنقطع هذه العلاقات بحكم العمل أو السفر، وعندما يلتقون بعدها بعشرات السنين وفى ظروف وملابسات أخرى فى مرحلة سنية مختلفة، يحدث هذا التوافق الشديد.. وكان تفسيرى أنه لابد أن تكون هناك عناصر كامنة فى شخصية كل منا، وأن هذه العناصر عابرة للسنين وتتيح لهذا التوافق الجديد أن يحدث بفضل هذه العناصر الكامنة.

وقد ذكرنى ما قاله أصدقائى هؤلاء بوقائع أخرى تستحق أن أذكرها وتؤيد تفسيرى لظاهرة من التواصل من جديد مع مَن قابلناهم وافترقنا عنهم منذ عشرات السنين.

بدايةً، لقد هاتفنى اللواء مهندس إبراهيم يونس، الذى تولى منصب وزير الإنتاج الحربى فى عامى 2014 و2015، وذكّرنى بأننى فى معرض عرضى لملابسات معرفتى بالأديب الكبير جمال الغيطانى، فقد ذكرت اسم شقيقه وصديقنا المشترك اللواء إسماعيل الغيطانى، الذى زاملته والوزير إبراهيم يونس فى مدرسة المتفوقين الثانوية، بينما لم أذكر اسم صديق ثالث هو اللواء مهندس محمد القاضى، وهو من أبطال حرب أكتوبر، وابن قرية شبرامنت، التى أحبها الغيطانى كما ورد فى مقالى، وتربطنا نحن الأربعة «إبراهيم وإسماعيل والقاضى وأنا» ومجموعة ممتازة أخرى من القامات العسكرية والطبية والهندسية من أبناء هذه المدرسة العظيمة، علاقة ممتدة منذ أوائل الستينيات.

وتحدث معى أيضًا عن موضوع مقالى الدكتور عبدالقوى خليفة محافظ القاهرة والوزير السابق، وكانت علاقتى بالدكتور عبدالقوى خليفة قد بدأت منذ 43 عامًا، وتحديدًا فى 1977، حيث زارنى فى منزلى فى كندا عندما كنت أدرس للحصول على الدكتوراة، وكان هو قادمًا من المدينة الأخرى التى كان يدرس الدكتوراة فى جامعتها أيضًا، ولأنه أتى فجأة ودون ترتيب فكان نصيبه أن تناول عندى «كشرى مصرى»، وقال لى بعد حوالى 30 عاما من لقائنا الأول وبعد أن تقابلنا مرة أخرى عام 2008 وكنت قد أصبحت أنا محافظًا للفيوم وهو رئيسًا للشركة القابضة للمياه، إنه مازال يتذكر هذه الزيارة (والكشرى تحديدًا).. ثم تتوالى الأيام ويشغل هو منصب محافظ القاهرة فى أبريل 2011، وفى نفس اليوم الذى تركت فيه أنا منصبى محافظًا للفيوم قبل أن أتولى موقع وزير النقل فى نوفمبر 2011، ثم أعود أنا وأشغل نفس منصبه محافظًا للقاهرة فى 2013 وأجلس على نفس مكتبه، وأتكفل أنا بإعداد صورة له توضع بين صور من تولوا هذا المنصب الجميل من عشرات السنين.

وجاءت وفاة الدكتور يوسف والى فى أوائل سبتمبر لتعيد إلى ذاكرتى بداية لقاءاتى ومعرفتى به فى أوائل التسعينيات، وكنت عميدًا للهندسة حين زار جامعة القاهرة فى الفيوم عام 1992، وقت أن كان يشغل منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، وتوطدت علاقتى معه بعد ذلك، حيث كلفنى (من خلال محافظ الفيوم وقتها اللواء محمد حسن طنطاوى والدكتور هشام الشريف وزير التنمية المحلية فيما بعد) بإعداد استراتيجية متكاملة للتنمية فى محافظة الفيوم، وتم عرضها بتفاصيلها عام 1997 فى اجتماع عقد فى مجلس الوزراء برئاسته، وأصبحت هذه الاستراتيجية من أهم المرتكزات التى يعود إليها المحافظون الجدد للفيوم، وقد رجعت إليها أنا أيضًا حينما شغلت هذا المنصب بعد إتمام هذه الاستراتيجية بعشر سنوات كاملة.

الدكتور يوسف والى شخصية بسيطة جدًا، وزاهد فى كل شىء، وحينما كان يزور الفيوم كان يأتى فى سيارة تويوتا خضراء صغيرة ويجلس بجوار السائق، ولم تكن له حراسة من أى نوع، وفى وقت رئاستى للجامعة تبرع لصالح المستشفى الجامعى بجميع مكافآته من مجلس الشعب، والذى كان عضوًا فيه لسنوات طويلة، وكانت تأتينى هذه التبرعات أولًا بأول، وأضيفها بنفسى لحساب تبرعات المستشفى، وأرسل له الإيصالات الدالة على ذلك، وظلت لقاءاتى مع الدكتور يوسف والى مستمرة فى منزله على نيل العجوزة بعد تركه جميع المناصب الرسمية فى 2004 وحتى وفاته مؤخرًا، وكنت أقابله مع إخوته، السفير أحمد والى الذى كان سفيرنا فى الدنمارك، والدكتور ماهر والى الذى كان يشغل منصب عميد كلية الزراعة جامعة الأزهر، وصديقنا المشترك الدكتور سعد نصار.