بعد أسبوعين من القتال في إقليم ناجوري قرة باغ المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان، توصل الطرفان إلى اتفاق وقف إطلاق النار، برعايا روسية، الاتفاق الذي ولد هشا وسرعان ما تم انتهاكه، ما أثار تساؤلات حول مدى جدوى الهدنة التي توسطت فيها موسكو.
وأعلنت الخارجية الروسية فجر السبت عن التوصل لهدنة بين باكو ويريفان، بعد مباحثات بين وزراء خارجية البلدين اول أمس الجمعة، رعتها موسكو، بدعوة من الرئيس فلاديمير بوتين.
المباحثات التي استغرقت عشر ساعات، لتسفر عن اتفاق يتضمن أربع نقاط لحل النزاع، من بينها هدنة إنسانية لتبادل الأسرى وجثث القتلى بين الطرفين، الاتفاق الذي سرعان ما تم انتهاكه بطرق متعددة.
فعلى الأرض تأخر إعلان أذربيجان دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في الوقت المقرر له، ظهر السبت، إلى وقت متأخر من الليل، بسبب عدم تهيئة الظروف الملائمة.
علاوة على ذلك أفادت وكالة «نوفوستي» الروسية، أمس، بسماع دوي انفجارين وسط ستيباناكيرت عاصمة إقليم قرة باغ، دون الإفصاح عن تفاصل أكثر.
وتبادل الطرفان الاتهامات، بشأن انتهاك وقف إطلاق النار، حيث اتهمت وزارة الدفاع الأرمينية أذربيجان بقصف تجمعات سكنية داخل أرمينيا، بينما زعمت القوات الأرمينية الانفصالية في قرة باغ أن القوات الأذربيجانية شنت هجومًا جديدًا بعد خمس دقائق من سريان الهدنة وقتلت أثنين مدنيين، في المقابل اتهمت اذربيجان القوات الانفصالية الارمينية في قرة باغ بقصف أراضي أذرية وقتل مدنياً. بحسب ما أفادت رويترز.
وسعيا لتدارك الموقف أجرى وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، السبت، محادثات هاتفية مع نظيريه الأرميني والأذربيجاني، زهراب مناتساكانيان، وجيهون بيراموف، اللذين أكدا التزامهما بالهدنة.
وتبدو النوايا الآذرية والتركية -الحليف الأكبر لأذربيجان- لاستئناف القتال جلية من خلال تصريحات المسؤولين، وقال وزير الخارجية الأذري وجيهون بيراموف إن الهدنة لن تستمر إلا للمدة التي يستغرقها الصليب الأحمر لترتيب تبادل القتلى، وفي مقابلة مع صحفية روسية، أشار الرئيس الآذري إلى أنه سيكون هناك مزيد من القتال في المستقبل.
أنقرة من جانبها مستمرة في عمليات التعبئة والإمداد، لدعم باكو، «ودخلت وحدة من القوات التركية الخاصة، أمس السبت، إلى بلدة هادروت في إقليم ناجوري قرة باغ، للسيطرة على بلدة هادروت، سرعان ما صدتها القوات الأرمينية»، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الأرمينية «أرمنبريس».
واتهم الرئيس الأرميني تركيا في وقت سابق، خلال حواره مع الإعلامي عمرو عبدالحميد على قناة «TeN Tv»،«أنها تسعى لاستمرار الحرب في قرة باغ للبقاء في أذربيجان من أجل الطاقة والغاز، بالإضافة إلى محاولة التطهير العرقي للأرمن في الإقليم».
سياسياً، وبعد إعلان موسكو عن الاتفاق، تفاوت ترحيب أطراف الصراع بشأن تلك الهدنة، ففي حين اعتبرته أرمينيا اتفاق وقف إطلاق النار، بداية لعملية السلام، حاول كل من أذربيجان وحليفتها تركيا، الإشارة إلى أن الاتفاق ما هو إلى جولة من جولات الصراع، مؤكدين أن الاتفاق هدنة لأهداف إنسانية.
ووجه الرئيس الأرميني أرمين سركيسيان، أمس، الشكر لروسيا على جهود الوساطة للتوصل إلى اتفاق، معرباً عن أمله في أن تكون الهدنة بداية لعملية العودة إلى السلام.
في المقابل، أكد الرئيس الآذري إلهام علييف، أن المرحلة العسكرية أو جزءها الأول انتهى، وشدد على أن مسار المفاوضات سيضمن الوصول لتسوية تستعيد بموجبها أذربيجان كامل الإقليم.
أيضا النبرة التركية كانت أقل تفاؤلاً، معتبرة أن الاتفاق لن يكون بديلا عن التسوية، ورغم ترحيب الخارجية التركية في بيان لها، باتفاق وقف إطلاق النار لكنها قالت إن هناك حاجة للمزيد من الخطوات، وشدد البيان على أن تركيا «ستواصل الوقوف إلى جانب أذربيجان في الميدان وعلى الطاولة».
وكانت أرمينيا قد اتهمت تركيا في وقت سابق بتسهيل دخول مرتزقة من سوريا وليبيا للقتال بجانب صفوف القوات الآذرية، الامر الذي نفته انقرة.
وبموجب الاتفاق ستعقد مباحثات تحت رعاية منظمة الأمن والتعاون -مجموعة مينسك الأوروبية- (OSCE)، وبرئاسة ثلاثية لكل من فرنسا وروسيا والولايات المتحدة، الأمر الذي لا تفضله «باكو»، لأنها ترى أن الطرف الفرنسي غير محايد، في ظل تصاعد الخلافات بينه وبين تركيا حليف أذربيجان.
واندلعت في 27 سبتمبر الماضي اشتباكات مسلحة على خط التماس بين القوات الأذربيجانية والأرمنية في قرة باغ والمناطق المتاخمة، مما أسفر عن مقتل مئات الأشخاص.
ويعد هذا القتال هو الأسوأ منذ أكثر من 20 عاما حين اندلعت حرب 1991-1994 التي أسفرت عن مقتل نحو 30 ألف شخص وانتهت بهدنة انتهكت مرارا طوال السنوات الماضية.
ويعد إقليم «ناجوري قرة باغ » معترف به دوليًا كجزء من أذربيجان، لكن يسكنه ويحكمه أغلبية أرمينية، مما يثير النزاع بين الطرفين، وتريد الحكومة الآذرية بسط سيطرتها على الإقليم بشكل فعلي، فيما يسعى الأغلبية الأرمينية القاطنة في الإقليم إلى الانفصال رسميا عن أذربيجان والانضمام لجمهورية أرمينيا.