«محمـــد، يواجه جيشاً، بلا حجر أو شظايا كواكب».. جزء من أبيات رثاء الشاعر الكبير محمود درويش للطفل الفلسطينى محمد الدرة الذى استشهد على يد الاحتلال الإسرائيلى فى 30 سبتمبر 2000.
فى مثل هذا اليوم الذى وافق ثانى أيام انتفاضة الأقصى الثانية، استشهد «الدرة» فتحول إلى أيقونة الانتفاضة الفلسطينية ومُلهمها، وصورتها الإنسانية فى مشهد لن ينساه الجميع، وكان العالم كله شاهدًا على الجريمة التى ارتكبها جنود الاحتلال على الهواء مباشرة. كان يومًا عاديًا، خرج جمال الدرة من منزله فى مخيم البريج بقطاع غزة مع طفله محمد، متجهًا إلى مزاد للسيارات حتى يقتنى واحدة، فوجئ الأب بنفسه محاصرًا وسط تبادل لإطلاق النار بين جنود الاحتلال وقوات الأمن الفلسطينية فى شارع صلاح الدين، فاختبأ خلف برميل أسمنتى وأسند محمد خلفه.
حاول «جمال» أن يحمى ابنه بكل قواه، لكن اخترق الرصاص يد الوالد اليمنى، ثم أصيب محمد بأول طلقة فى رجله اليمنى، وفوجئ الأب بعد ذلك بخروج الرصاص من ظهر الصغير، بعدما اخترق الجسم والأقدام والأيدى حتى وصل للبطن والحوض، وخلال دقائق ارتقى الصبى شهيدًا على ساق أبيه، وأصيب والده بجروح بقى ينزف منها طويلا، فى مشهد وثقه مصور قناة «فرانس 2»، شارل أندرلان، بالفيديو لمدة 63 ثانية.
واندلعت شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية يوم 28 سبتمبر 2000، عقب اقتحام رئيس وزراء الاحتلال الراحل، أرئيل شارون، المسجد الأقصى، محاطًا بقوات كبيرة من الجيش والشرطة، واعتبر «الدرة» رمزًا للانتفاضة الثانية، وأثار إعدامه مشاعر غضب الفلسطينيين فى كل مكان، وهو ما دفعهم للخروج فى مظاهرات غاضبة ومواجهة جيش الاحتلال.
وُلد محمد فى 22 نوفمبر 1988، ودرس حتى الصف الخامس الابتدائى، وعاش فى كنف أسرة بسيطة لاجئة من مدينة الرملة، ووالده «جمال» يعمل نجاراً، ووالدته «أمل» ربة منزل عانت كثيرًا فى تربية أطفالها العشرة فى ظل ظروف البلد العصيبة.