في تزييف الواقع.. واختلاق الأحداث

جلال مصطفى السعيد الإثنين 28-09-2020 01:30

الدعوات المتكررة إلى التظاهر والاحتجاجات، في سبتمبر الحالى وقبل ذلك، لم تلق قبولاً على أي مستوى، ولم يخرج أحد رغم المجهودات التي بذلتها قنوات العار التي تخرج من تركيا وقطر ومقاول برشلونة الفاشل والمغمور، واقتصر الأمر على بث لقطات لأى تجمع لحظى من عشرة أشخاص في أصغر قرية أو أضيق حارة، ثم إعادته عشرات المرات، في محاولة لعمل إيحاء لدى المشاهد بعظم ما تم من أحداث، بالرغم من أنهم يعرفون أنها (لقطة) في بقعة صغيرة لا تتعدى مساحتها أمتارا قليلة يقابلها مليون كيلومتر مربع (1000 كيلو في 1000 كيلو)، يعيش عليها أكثر من 100 مليون مواطن، وهؤلاء لم يسمعوا أصلاً عن هذه الدعوات، ومن سمع لم يعرها اهتماماً، وتنَّدر الناس بالأمر برمته، وكان بعضهم في معرض اعتذاره عن موعد ما يقول: معلهش أصل بكره عندى ثورة.

الأمر برمته يندرج تحت شعار: المهم اللَّقطة، لأى حدث تافه ومحدود في الزمان والمكان، ثم تضخيمه وتفخيمه والنفخ فيه وفى أهميته وتصديره للناس كأنه واقع فعلى عاشه الملايين من حيث لا يعرفون، أنه تزييف للواقع واختلاق للأحداث.

بالنسبة لى، والآخرين، هذه اللعبة ليست جديدة وقد عايشت أمثلة لها من قبل، ففى عام 1993 وفى رمضان وكنت عميداً لكلية الهندسة، وعندما أقمنا إفطاراً جماعياً كتقليد سنوى للشخصيات العامة وبعد إتمام كافة الإجراءات وتدبير كل المتطلبات المالية، وإعداد الطعام للمئات من المدعوين، وقبل الإفطار بنصف ساعة، ظهر عشرات الطلاب بزى موحد من البدل السوداء وأربطة العنق السوداء والقمصان ناصعة البياض، وعلى صدر كل منهم ما يفيد انتماءه إلى أسرة المنار (والتى عرفت فيما بعد أنها الأسرة الممثلة لطلاب الإخوان)، وقام هؤلاء بإقحام أنفسهم في المشهد واستقبال الضيوف واصطحابهم إلى القاعة، ومنح كل منهم وردة، ثم اختفوا جميعاً فجأة بعدما أخذوا اللَّقطة في عمل لم يشتركوا في أي من مراحله.

وكان هذا هو نفس السلوك الذي يتبعه عموماً طلاب الإخوان في الجامعات ومن يدفعونهم من خارجها، حيث وبعدما أصبحت رئيساً للجامعة (ما بين 2005-2008)، كنا نفاجأ بمن يدخل أجهزة مكبرات الصوت الضخمة من أعلى أسوار الجامعة، وتسيير مظاهرات طلابية لعدة دقائق، وتصويرها ثم فضها، واختفاء جميع عناصرها تماماً في دقائق معدودة، وتظهر هذه المظاهرات مساءً في البرامج الحوارية المتعددة التي كانت تستلطف هذه الأعمال وتساعد في نشرها كما لو كانت نشاطاً يومياً ومستمراً داخل الجامعات.

وعندما كنت أمينًا عامًا للمؤتمر القومى الأول للنقل في مصر، والذى عقد في يناير 2002 فقد رشح لنا أحدهم شركة لتنظيم المعرض المصاحب للمؤتمر، وأتذكر أن رئيس مجلس إدارتها كان الدكتور عصام الحداد، والذى اتضح فيما بعد أنه قيادة إخوانية كبيرة، وشغل موقع مساعد رئيس الجمهورية للشؤون الخارجية في عام الإخوان، وقد تم بالفعل تنظيم المعرض والمؤتمر في مقر هيئة الطيران المدنى وحضر حفل الافتتاح الدكتور عاطف عبيد رئيس مجلس الوزراء في ذلك الوقت، وأكثر من نصف أعضاء مجلس الوزراء.

وخلال تفقد رئيس مجلس الوزراء للمعرض وبالرغم من أنه كان من المفروض أن يقوم بالشرح لسيادته إما وزير النقل أو أنا بصفتى أمين عام المؤتمر، إلا أن تصرفات عصام الحداد وفريقه كانت كما لو كانوا هم أصحاب الحدث، مع أن دورهم كان منحصراً في تخصيص المساحات وتحصيل الاشتراكات، ولكنى لاحظت نزعة واضحة إلى الظهور إعلامياً، خاصة في ظل نقل قنوات التليفزيون المصرى الرسمية والخاصة للحدث، كان يسارع بالشرح والتوضيح، واستباق رئيس الوزراء، وربما توقيفه، والحديث معه عند انتقاله من مكان إلى آخر كما لو كانت هناك رسالة مطلوب توصيلها من هذا السلوك لجهة ما سوف تكافئهم على ذلك، وقد لاحظ ذلك اللواء/ على محرز المسؤول عن مراسم مجلس الوزراء في ذلك الوقت وسألنى عنه وما علاقته بالزيارة؟، وهل هو من العاملين في الوزارة أم لا؟، وعندما أخبرته بحقيقة الأمر تولى هو إبعاده تمامًا عن مسار رئيس مجلس الوزراء بطريقة واضحة وصريحة وخشنة إلى حد ما.

الخلاصة إذن، علينا أن نفطن لطريقتهم في استغلال إعلام اللَّقطة وربما تزييف الواقع واختلاق الأحداث، إنه أسلوب حياة.