فى الأسبوع الماضى، وقع حدثان سياسيان مهمان، وفيما انشغل المجال العام المصرى وبعض وسائل الإعلام العربية والدولية بأحدهما، وأُفردت له مساحات واسعة من الاهتمام، لم يحظ الحدث الآخر بمعالجة مناسبة، رغم أن الحدثين مشتبكان ومتكاملان.
فقد جاءت الدعوات من المنصات الإعلامية التقليدية المعادية، ومعظمها بات فى تركيا وقطر، للمصريين لـ«الخروج» و«الثورة» و«التدمير» و«الفوضى»، بموازاة الهجمات الحادة والمكثفة عبر وسائط التواصل الاجتماعى، التى ثبت أن معظمها مدبر عبر اللجان الإلكترونية، التى تنطلق أيضاً من هذين البلدين بالذات.
تطلب تلك الدعوات من المصريين الخروج فى تظاهرات، وشن أعمال تخريب، واستخدام العنف ضد قوات إنفاذ القانون، بهدف إرهاقها، وشل قدرتها على تنفيذ عملها، ومن ثم إشاعة الفوضى، وإسقاط الدولة، ويُسخّر أصحاب الدعوات بعض «المتخصصين» أو «الناصحين» ليشرحوا للمصريين الغاضبين كيف ينفذون هذه الخطة وينجحون فى إشاعة الفوضى.
وبموازاة ذلك الحدث المهم الذى شغل الدولة وإعلامها، لما ينطوى عليه من خطورة بطبيعة الحال، كان الحدث المهم الآخر يقع من دون أن يحظى بإلقاء الضوء المناسب عليه، ومن دون أن يتم توضيح الارتباط بين الحدثين للجمهور.
فقد عادت تركيا تخطب ود مصر وتحاول أن تتفاهم معها وأن تغلق ملف العداء بين البلدين، وقد ظهر ما يمكن أن نفهم منه هذا فى تصريحات كل من رئيس الجمهورية التركية ووزير خارجيته وبعض مستشاريه، بل إن قادة فى المعارضة شددوا على ضرورة تحسين العلاقات مع القاهرة أيضاً.
ليس هذا فقط، إذ أعلنت مصادر مصرية مسؤولة أنها تلقت عروضاً تركية عبر قنوات سرية لبدء مفاوضات تستهدف تحسين العلاقات وتوقيع اتفاقيات على الفور، لكن مصر ردت بأنها لن تتحرك فى ملف المصالحة مع تركيا وقطر إلا من خلال تنسيقها مع حليفاتها فى الرباعى العربى الداعى لمواجهة الإرهاب (مصر، والسعودية، والإمارات، والبحرين)، وأكدت على أن ما تسمعه من عروض تفاوض وتودد لا تجد له مفاعيل على الأرض.
سيمكن وصف أردوغان بكثير من الأوصاف، لكن أكثر الأوصاف التى تتجسد فيه وأقلها التصاقاً به عند وصفه من خصومه أو حلفائه هو وصف البراجماتى، إذ يجسد هذا الزعيم نزعة براجماتية عاتية تحكم حركته وتعصف أمامها بأى اعتبار تاريخى أو أخلاقى أو إنسانى أو حتى سياسى رشيد.
فقد اصطدم أردوغان بإسرائيل، وأغضب روسيا، وحارب سوريا، وعادى مصر، ووتر علاقات بلاده مع الاتحاد الأوروبى، وكاد يحارب اليونان، وشن الهجمات على حلفائه الخليجيين، ولم يبق معه سوى قطر ودولة واحدة من دول الجوار.
وبدلاً من أن يجد نفسه فى محيط سماه رئيس الوزراء المبعد داوود أوغلو «صفر من المشاكل»، وضع تركيا فى محيط يمكن تسميته «100% مشاكل».
عندما يجد أردوغان نفسه محاصراً، أو يجد ثمناً لموقف يمكن أن يساعده، أو مقابلاً معقولاً لحليف يمكن أن يتخلى عنه، فإنه يفعل ذلك مهما كانت العقبات، فتلك روسيا التى تعالى عليها بعدما أسقط طائرتها الحربية، رضخ لها واعتذر اعتذاراً مهيناً لكى يستعيد العلاقات معها، وينشط التجارة والسياحة، ويوقف الدعم العسكرى الروسى المحتمل للأكراد الراغبين فى الانفصال عن دولته.
وتلك إسرائيل، التى أوهم عرباً ومسلمين أنه عدوها الأول، فيما لا يتوقف عن تعزيز العلاقات الاستراتيجية معها.
والآن يضغط أردوغان على مصر من جانب مستخدماً دولاب الإعلام والتهييج «الإخوانى»، ويرسل لها إشارات المودة من جانب آخر، وحين تتوازن المصالح، ويتم الوصول إلى نقطة الاتفاق، سيضحى بهؤلاء الذين استخدمهم وقوداً لإنضاج صفقته. وهم حينئذ سيكونون فى أحط المنازل.