تعود جذور روح القومية المصرية إلى عصر محمد على الذى كان يخطط لتأسيس أسرة حاكمة ودولة عظمى مستقلة، وتمثلت فى إدراكه بإنشاء جيش عصرى مصرى. أسس الدولة القومية حين كون جيلًا من المصريين مدركًا لذاته.
تبعه الخديو إسماعيل، وبدأ يستكمل مشروع محمد على مستعينًا بالأوروبيين، ولكنه لم يمتلك يقظة جده وفطنته، بإسرافه وسياسة القروض وما جرّته على مصر من أزمة مالية أدت إلى التدخل الأجنبى.
برزت فى الساحة العامة فى أوائل القرن العشرين عن طريق المثقفين المصريين فى أوروبا، والذين تأثروا بالحضارة والنهضة الأوروبية الحديثة ورأوا أنه يجب تبنى القيم الأوروبية بما يصلح للمجتمع المصرى، وهم غالبا من التيار الليبرالى، وعندما سعى المصريون لتحرير أنفسهم من الاحتلال البريطانى أدى ذلك إلى صعود القومية العرقية والإقليمية لمصر، والتى اتخذت طابعا علمانيا فى ذلك الوقت، وأصبحت القومية المصرية النمط السائد للناشطين المصريين المناهضين للاستعمار الأجنبى للدفاع عن البلاد فى فترة ما قبل الحرب.
ومن أهم معالم هذا الفكر آنذاك غياب العنصر العربى فى القومية المصرية فى مراحلها المبكرة، كانت الدفعة المصرية سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية طوال القرن التاسع عشر تعمل ضد، وليس من أجل، التوجه العربى والقضايا العربية.
الدعوة لتبنى شعار القومية المصرية ليس دعوة لتأسيس اتجاه سياسى قومى مصرى معين لكنها دعوة لجميع التيارات والاتجاهات السياسية فى المجتمع المصرى للجهر بهويتنا الحقيقية دون خجل أو مراعاة لشعور أحد أو حسابات لا تقدم ولا تؤخر، وهى قبل كل شىء دعوة صريحة لكل مصرى أن يكون مصريًا قولًا وفعلًا. كان حلم الزعيم جمال عبدالناصر والمصريين هو دولة عربية كبرى تضمهم مع الشعوب العربية، وتمتد من المحيط إلى الخليج لتستطيع الوقوف بكرامة وعزة أمام الغرب الذى استباح البلاد العربية على مدار سنوات الاحتلال الطويلة، غير أن الجميع أدرك بعد ذلك أن هذا الحلم الكبير لم يكن سوى مجرد وهم أكبر، فقد توالت الأحداث الصادمة للمصريين منذ فشل الوحدة مع سوريا، مرورًا بحرب يونيو ١٩٦٧، ثم سلسلة من الأحداث التى تلت ذلك، وكان على مصر خلالها أن تتحمل تبعات دورها القيادى العربى التاريخى، وكان على المصريين طوال تلك الحقبة أن يضعوا هويتهم المصرية فى مرتبة أدنى من الغطاء العروبى الذى تهشم تقريبا تحت ضربات حروب وصراعات عربية- عربية أصاب مصر منها ما أصابها. وبعد كل هذه التجارب العروبية المريرة باتت مصر كمحارب يصر على أن يخوض معركته ممسكًا بدرع متآكلة بينما إذا نظر لحظات سيجد درعه الحقيقية التى أثبتت الأيام والسنوات قوتها وصلابتها هى القومية المصرية التى يمكنها فى هذه اللحظات التاريخية العصيبة أن تصنع الغطاء الأيديولوجى للمصريين، مسلمين وأقباطا، بعد أن تهشم الغطاء العربى مفسحا المجال لتيارات التطرف الدينى، ومهددًا بانشقاق لم يسبق له مثيل بين المصريين أنفسهم، وكل ما على المصريين الآن هو التقاط تلك الدرع للذود عن مصر، مثلما كان الحال منذ آلاف السنين، فلا يعقل أن يخسر المصرى شقيقه المصرى فى مقابل شعارات بالية.