البارانويا السياسية والاكتئاب الوطنى

منار الشوربجي الثلاثاء 17-11-2009 18:35

دون أن أقرأ الطالع، أستطيع أن أتنبأ لأطباء النفس المصريين بأعوام قادمة ينعمون فيها برواج كبير وارتفاع واضح فى الطلب على خدماتهم. فقد صار واضحا أن أكبر قوتين سياسيتين فى مصر تعانيان البارانويا السياسية! ففى الأسابيع الماضية ظهرت الأعراض بوضوح على الحزب الوطنى وجماعة الإخوان. ومرض «القوتين الأعظم» مسؤول بدوره عن خلق حالة عامة من الاكتئاب الوطنى.
فحين كنت أتابع وقائع مؤتمر الحزب الوطنى سعيا للوقوف على جوهر رسالته، وجدت نفسى إزاء مفارقات عدة. فرغم الهجوم الكاسح الذى شنه الحزب على المعارضة التى اعتبرها نخبوية ولا تمثل إلا نفسها، فإن من يدقق فى خطاب الحزب ويتأمل مفرداته يجده فى الواقع مجسدا لحالة انزعاج شديدة من تلك المعارضة بل من الإعلام المستقل الناكر للجميل الذى لا يرى الإنجازات.
 بل إن الحزب قال صراحة إنه «لن يستدرج» للخوض فى أمور يبدو أنه اعتبر المعارضة «تتآمر» لتوريطه فى طرحها. باختصار الحزب الوطنى عنده شعور عميق بأنه مضطهد ويتعرض للتآمر من جانب معارضة قال عنها بنفسه إنها لا تعبر عن غالبية المصريين!
وكما أن الشعور بالاضطهاد هو أحد الأعراض المعروفة للبارانويا، فإن من أعراضه أيضا أن يشعر المصاب بأنه مركز الكون وربما مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ البشرية. وهو يشعر بأنه على حق دائما وأنه الأقوى والأكثر قدرة، بينما الآخرون لا يدركون ولا يفهمون. لذلك فأنت تجد الحزب الوطنى يؤمن بأنه «الأكثر التحاما بالجماهير» وأنه وحده الذى يفهم معنى أن تشترى 250 ألف أسرة مصرية سيارة جديدة بينما الآخرون لا يفهمون أو لا يريدون الاعتراف بأن ذلك معناه أن «الطبقة الوسطى فى انتعاش»(!!).
 وبينما اتهم رموز الحزب المعارضة على صفحات «الأهرام» بأنها تدعى زورا أن المواطن لم «يشعر بارتفاع معدلات النمو»، كانت «الأهرام» تنشر على الصفحة نفسها تحقيقا عن مواطنين لا يزيد دخلهم الشهرى على 260 جنيها مصريا لا غير!! وياسعدكم يا أطباء النفس، فجماعة الإخوان تعانى هى الأخرى من البارانويا.
 فبينما يشعر الحزب الوطنى بتآمر المعارضة التى يصفها بنفسه بالضعف، إذا بجماعة الإخوان مذعورة من المرأة! فقد قال مفتى الجماعة إن أى حديث عن تمثيل المرأة «كلام فارغ لا يرد عليه» ثم أضاف أن عدم تمثيلها هو «خوف من المرأة وعليها». وبخصوص الخوف «على» المرأة، فقد قيل إن المقصود به هو الرغبة فى «حمايتها من التعرض للمضايقات الأمنية التى يتعرض لها الإخوان الرجال».
 أما الخوف «من» المرأة، فهو ما سكت الإخوان عن شرحه أو ربما تركوه لفطنة القارئ! الطريف فى الموضوع هو أن الرجال «الأشداء» الذين يزعمون أن المرأة لا قبل لها بما يلاقونه هم من ملاحقات، هى نفسها بالمناسبة المرأة التى يخاف «منها» هؤلاء الشجعان!. أكثر من ذلك، فقد تبين أن فريقا داخل الإخوان يخاف من عصام العريان لأنه كما قالت الصحف نقلا عنهم «كلامه فيه رسائل ضمنية لأمريكا»!
ولأننى لست طبيبة، فإننى لا أعرف علاجا يساعد القوتين على الخروج من أسر البارانويا. لكن المتيقن هو أن مرضهما مسؤول عن حالة الاكتئاب الوطنى التى نعانى منها جميعا، بدءًا بنوبات الحزن التى تنتابنا على ما وصلت إليه أحوال مصر ووصولا لنوبات الشعور باليأس وقلة الحيلة التى يشعر بها الصغار والكبار. بالمناسبة، خطر لى سؤال وجهته لأحد أساتذة الطب النفسى فكانت الإجابة أن المصاب بالبارانويا لا يشعر أبدا بالذنب!