حلّ عيد يوم الغفران اليهودى هذا العام 2013م فى الثالث عشر من سبتمبر، وكان قد وافق فى عام 1973م السادس من أكتوبر. لقد دأبت السلطات والصحف العبرية منذ مرت ثلاثون سنة على حرب أكتوبر، مع حلول العيد، على الإفراج عن عدد من وثائق الجيش ورئاسة الحكومة التى تسجل اجتماعات رسمية أو تقدم محاضر لجنة التحقيق التى شكلت لدراسة أسباب الهزيمة تحت رئاسة القاضى أجرانات.
الجديد فيما نشر هذا العام هو الإشارات إلى شكوك رئيسة الوزراء آنذاك جولدا مائير فى المعلومات التى يقدمها أشرف مروان إلى رئيس الموساد تسيفى زامير وتعبيرها عن مخاوفها من أن يكون هذا المصرى مكلفاً بتضليل إسرائيل ومخابراتها.
علينا أن ننتبه هنا إلى أن الكشف عن الوثائق يخضع لأمرين. الأول، معروف كمعلومة، وهو عدم الكشف عن كل الوثائق رغم مرور الفترة المنصوص عليها قانوناً لحجبها عن النشر وهى ثلاثون عاماً، وهو أمر يتحكم فيه مكتب رئيس الوزراء، والأمر الثانى، تقديرى من جانبى، وهو أن بعض المحاضر والوثائق الأصلية تجرى السلطات العسكرية والمخابراتية الإسرائيلية عليها بعض التعديلات لتحوير الحقائق التى جرت عام 1973 من ناحية، وتحقيق أهداف سياسية أو معنوية تؤثر على الجمهور الإسرائيلى وأجياله الجديدة بصورة إيجابية وتؤثر على الأجيال العربية الجديدة التى لم تعاصر الحرب بصورة سلبية تنال من معنوياتها ومن ثقتها فى مقدرة جيشها على تحقيق النصر على الجيش الإسرائيلى.
إن أحد الموضوعات التى تستخدم للنيل من المعنويات العربية عامة والمصرية خاصة هو موضوع أشرف مروان وفى تقديرى أن هذا الموضوع يحظى باهتمام وإبراز من المصادر الإسرائيلية على نحو مطرد فى إطار خطة انتقامية بعيدة المدى من القيادة والعناصر التى طبقت خطة الخداع الاستراتيجية المصرية الإسرائيلية ومن بينها أشرف مروان، سكرتير الرئيس السادات للمعلومات آنذاك، وصهر الرئيس جمال عبدالناصر. إن الانتقام هنا يأتى نتيجة الدور الذى لعبه «مروان» بتكليف من الرئيس السادات فى تعزيز خيوط شبكة السبات والخدر اللذيذ التى وقعت فيها القيادات الإسرائيلية بعد عام 1967 والتى تكونت من خيط الزهو والكبرياء والاستعلاء والإعجاب بالنفس لدرجة تأليه القيادات الإسرائيلية ومن خيط الاستخفاف بالجيوش العربية والشخصية العربية والقيادات العربية.
اليوم وبعد أن ظهرت اعترافات بأن رئيسة الوزراء الإسرائيلية كانت تشك فى نوايا مروان وأهداف المعلومات التى يقدمها للموساد أشعر بأن تقديراتى التى بدأت فى نشرها بـ«المصرى اليوم» بدءاً من عام 2010 تكتسب مصداقية أكبر وأنها ستصل إلى درجة المعلومة المؤكدة مع مر السنوات. إن أهداف الخطة الانتقامية الإسرائيلية كالتالى:
1 - إعادة الثقة إلى الأجيال الإسرائيلية الجديدة فى أجهزة مخابراتها بادعاء أنها لم تسقط فى فخ خطة الخداع المصرية السورية، وأنها نجحت فى الحصول على معلومات الحرب وموعدها من مصدر رفيع فى القيادة المصرية.
2 - تشكيك المصريين فى نجاح خطتهم للخداع ومحاولة النيل من ثقتهم بإنجازهم المؤكد بعد عشرات السنين من الانتصار.
3 - إضعاف وهز ثقة الأجيال المصرية الجديدة فى مصداقية قيادتهم عام 1973 لحصد ثمار ضعف الثقة بالقيادة حاضراً ومستقبلاً، خاصة فى أى حرب مقبلة، بترويج فكرة قدرة المخابرات الإسرائيلية على اختراق صفوف القيادة السياسية العليا فى مصر فى أى وقت. لقد مرت خطة الانتقام الإسرائيلية بعدة مراحل بدأت بإشارات فى مذكرات بعض القادة العسكريين إلى أن إسرائيل علمت بخبر قرار الحرب وموعده فى السادسة من يوم 6 أكتوبر من مصدر عربى رفيع دون ذكر اسمه. جاءت مرحلة الزج باسم أشرف مروان صراحة فى إطار دفاع الجنرال إيلى زعيرا رئيس المخابرات العسكرية عام 1973 والذى عزلته لجنة أجرانات عن نفسه من تهمة الإهمال والتقصير فى اكتشاف موعد الهجوم المصرى السورى. هنا ألقى التهمة على رئيس الموساد تسيفى زامير باعتباره المسؤول عن خداع القيادة الإسرائيلية وإغماض عينيها عن التفسير الصحيح للاستعدادات العسكرية السورية والمصرية بواسطة المعلومات المضللة التى كان يحصل عليها من أشرف مروان. لقد تم حبك القصة ليصدق العرب أن مروان جاسوس لإسرائيل عن طريق قيام رئيس الموساد برفع قضية ضد زعيرا يتهمه فيها بأنه أفشى أسرار الدولة بالإعلان عن اسم مروان كمصدر للموساد. لقد حذرت ونبهت مراراً الزملاء الصحفيين العرب الذين ينقلون هذه الأخبار الإسرائيلية باعتبارها حقائق وبينت أنهم يقعون فى شبكة خطة الانتقام الإسرائيلية.
إن محاضر اجتماعات القيادتين السياسية والعسكرية يومى السادس والسابع من أكتوبر والتى أفرج عنها إذا ما أخضعناها للبحث تكشف عن الشلل الفكرى الذى أوقع فيه مروان هاتين القيادتين، والذى حال دون قراءة الاستعدادات الميدانية على جبهتى القناة والجولان من جانب العرب باعتبارها علامة على حرب مقبلة. لقد استخدم «مروان» نغمة ينتشى لها الإسرائيليون وهى أن السادات لن يصدر أبداً قرار الحرب لأنه يعلم أنه سيخسرها. لقد رددت جولدا هذه العبارة يوم 7 أكتوبر فى حسرة فى محضر رسمى وكأنها تقول كيف صدقنا هذا المصرى مروان.