تركيا.. خيارات محددة ونفوذ مقيد

كتب: منة الله الحريري الجمعة 20-07-2012 19:20

رغم مساعى تركيا الحثيثة لإيجاد دور إقليمى لها فى العالم العربى باعتبارها لاعباً رئيسياً يسيطر على المشهد السياسى فى المنطقة العربية، لاسيما سوريا، يبقى التحرك التركى تجاه الأزمة السورية بمفردها أمراً صعباً. وفى الوقت الذى يستبعد فيه المحللون أن تتحرك تركيا عسكرياً بمفردها، بالإضافة إلى صعوبة تحرك المجتمع الدولى فى ظل التعنت الروسى - الصينى لممارسة أى ضغوط على نظام الرئيس السورى بشار الأسد، يأتى خيار تسليح المعارضة السورية كأقرب الخيارات التى يمكن أن تلجأ إليها تركيا لدعم الثورة السورية وإسقاط نظام الأسد.

وفى الوقت الذى تعد فيه تركيا من أولى الدول التى أيدت الثورة السورية، ودعت إلى تنحى الأسد، كما استضافت اللاجئين السوريين، فإن تركيا لم تنجح فى تقدير الدعم الدولى الذى يتمتع به الأسد، وعولت تسوية الأزمة السورية على التوصل إلى مواقف جماعية عجز المجتمع الدولى عن تحقيقها. وتعد الأزمة السورية بمثابة اختبار لقدرات أنقرة، فرغم مناقشة المؤسسات التركية الخيارات المحتملة فى سوريا وتأكيدها استعدادها لجميع الاحتمالات، فإن خيارات تركيا للتعامل مع سوريا كانت محدودة جداً.

ويرى المراقبون أن تركيا ليس بإمكانها التحرك تجاه سوريا بمفردها، ليس فقط لأنها لا تمتلك القدرات والإمكانيات لمثل هذا التصرف، لكن لأنها ارتضت أن تربط مصالحها بالأمن القومى الأمريكى والعلاقات مع الولايات المتحدة، ومن ثم لا تستطيع التحرك بدون موافقتها. ولعل هذا ما يبرر عدم رد تركيا على حادث إسقاط الطائرة التركية فى يونيو الماضى، من جانب الدفاعات السورية، حتى لا تنزلق إلى حرب، فى وقت لا تبدو فيه الولايات المتحدة مستعدة لهذا التصعيد قبيل الانتخابات الرئاسية، مما أضر بصورة تركيا، وأظهرها كما لو كانت «وكيلة السياسات الأمريكية فى المنطقة». ويعتقد المحللون أن تركيا فى حاجة إلى استراتيجية جديدة، بعيداً عن «العمق الاستراتيجى»، الذى بات موضع تهكم فى داخل تركيا وخارجها.

ولعل زيارة رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوجان إلى موسكو الأخيرة، كان هدفها، بالإضافة إلى بحث سبل حل الأزمة السورية، هو الوصول إلى معلومات حول إسقاط الطائرة.

وجاءت التطورات الأمنية فى دمشق، بإلاضافة إلى تباعد المواقف الدولية، ليصعد خيار الحسم الميدانى، ويصعد حدة التوتر بين سوريا وتركيا بعدما حمل وزير الإعلام السورى عمران الزعبى، كلا من تركيا وقطر والسعودية وإسرائيل المسؤولية المباشرة عما وصفه التفجير «الإرهابى»، الذى استهدف مبنى الأمن القومى بالعاصمة السورية دمشق، إلا أن أردوجان رفض مثل هذه الاتهامات، مشيراً إلى أن أنقرة لن تفعل أبداً مثل هذه الأشياء للشعب السورى.

ويرى المراقبون أن استمرار نظام الأسد سيؤدى إلى تراجع صورة أردوجان فى تركيا.

ذكرت صحيفة «صباح» التركية أن أنقرة تخلت فى اللحظات الأخيرة عن قصف الأنظمة الدفاعية الجوية والمواقع العسكرية السورية، رداً على إسقاط المضادات الأرضية السورية طائرة الاستطلاع التركية طراز «إف 4» فى شهر يونيو الماضى.

أسقطت سوريا فى يونيو الماضى طائرة حربية تركية فوق البحر المتوسط، ووجهت أنقرة تحذيرا من أنها سترد بحسم على الحادث، بينما قالت سوريا وقتها إن الطائرة كانت تطير على ارتفاع منخفض داخل المياه الإقليمية السورية عندما أسقطت.

وكشفت الصحيفة عن تلقى الطائرات الحربية من طراز «إف 16» المنتشرة فى قاعدة «إينجرليك» جنوب تركيا، تعليمات باتخاذ جميع الاستعدادات العسكرية، منها تحميل الطائرات المقاتلة بالصواريخ لقصف الأنظمة الدفاعية الجوية والمواقع العسكرية السورية.

وأشارت الصحيفة إلى أن تركيا تخلت عن قرارها عقب الاستشارات العسكرية بين رئاسة الأركان وقيادة القوة الجوية والتى نتج عنها عدة محاذير، أهمها أن الأنظمة الدفاعية الجوية الروسية فى سوريا تمتلك تقنية عالية، والقوات المسلحة التركية لا تملك عنها معلومات استخباراتية موسعة، كما أن طائرات السلاح الجوى التركى لم تقم بأى تجارب ضد الأنظمة الدفاعية الجوية السورية.