الإسلام والسياسة: من «دستور المدينة» إلى بناء «الدولة»

كتب: اخبار الجمعة 20-07-2012 19:24

هناك العديد من الاتهامات التى توجه للإسلام كعقيدة وشريعة، فهناك من ينكر وجود الفكر السياسى الإسلامى والنظام الإسلامى فى الحكم، بل من ينكر عربية كلمة السياسة من الأساس.

ويؤكد د.حسين مؤنس- وهو أحد أبرز مؤرخى التاريخ الإسلامى، أن الفكر السياسى الإسلامى منعدم تماما لكن الذى حدث هو أننا لم نضع هذا- النظام السياسى- فظل الفكر السياسى الإسلامى قائما على تمنيات وآمال بأن يوفق الله أهل الحكم إلى سبيل الرشاد- وبصفة عامة نستطيع أن نقول: «إنه ليس لدينا فكر سياسى إسلامى جدير بهذه التسمية».

وفى موضع آخر يذكر قوله: «وفقهاء المسلمين ومشرعوهم الأوائل كانوا من أمهر الناس وأدقهم، وقد وضعوا النظم الشرعية الدقيقة لكل شىء فى حياة المسلمين، للطلاق والزواج، والميراث والبيع والشراء والدين، ولكنهم وقفوا عند وسائل النظام السياسى مع أنها عرضت للمسلمين وبشكل حاد جدا، من أول الأمر» هذا رأى من يفترض فيه عكس ذلك تماما، على الأقل الإلمام الكامل بمصادر الفكر السياسى الإسلامى، وهو ما سوف نوضحه.

ليس غريباً إذن أن يقوم المستشرقون بالهجوم على النظام السياسى الإسلامى، وإنكاره إنكارا تاما، بل إنكار كل مفهوم للدولة فى الإسلام، وكل تجديد فى قيم ذلك المفهوم: «أن العالم الإسلامى إنما أتى فى أول الأمر من الصحراء، وأنه رغم تطوره فيما بعد إلى مجتمع مدنى فقد ظل محاطا بمجتمع بدوى رحال، وأن الدولة الإسلامية ثيوقراطية، وأن الأمة فى الفكر الإسلامى مسلوبة الإرادة ولا يمكنها أن تعبر عن نفسها».

وهؤلاء يتجاهلون عدة حقائق أولها أن الأصل الاشتقاقى للكلمة عربى فصيح: السوس الرياسة، يقال: ساسوهم سوسا، وساس الأمر سياسة، قام به، ورجل ساس فى قوم ساسة وسواس، وسوسه القوم، جعلوه يسوسهم، ويقال: سوس فلان أمر بنى فلان، أى كلف سياستهم.

ويتجاهلون عدداً من الأحاديث النبوية الشريفة التى ورد فيها اللفظ صريحا وبالمعنى الاصطلاحى أيضا وهو ما يؤكد أن اللفظ عربى الأصل ولا صحة مطلقا لمن يجعله خلاف ذلك، وورد بمعناه الاصطلاحى فى الأحاديث النبوية الكريمة، وهو: تدبير أحوال الرعية وتدبير أمور الناس ومصالحهم.

بالإضافة لذلك، فأصحاب هذا الرأى يتجاهلون عدداً كبيراً جدا من كتب التراث السياسى الإسلامى التى ناقشت النظام السياسى الإسلامى وقواعده ومبادئه وما ينبغى أن يكون عليه، ومنهم من ناقش النظام السياسى كحدث تاريخى واقعى ما له وما عليه، على سبيل المثال:

تدبير الملك والسياسة لابن هارون المتوفى عام 215هـ، وسياسة الملوك، للوزير أبى دلف القاسم بن عيسى بن إدريس العجلى عام 225هـ، والشريعة وآداب السياسة، لعلى بن شهريار الأهوازى.

ويمكن رصد 5 اتجاهات فى الكتابة السياسية عند المسلمين وهى:

ما أسس على العقل، متأثرا بالكتابات وبالثقافة الفارسية، بعيدا عن الشريعة الإسلامية، وصاحب هذا الاتجاه هو ابن المقفع. وهو ما نجده فى كتب السمر والأدب والأخبار، أو ما يمكن تسميته كتب الثقافة العامة، وهى وإن لم تكن كتبا متخصصة فى الفكر السياسى، إلا أننا نجد فيها أبوابا ذات علاقة حميمة بالسياسة، ويمثل هذا الاتجاه ابن قتيبة فى كتابه «عيون الأخبار».

الاتجاه الآخر وهو أقوى الاتجاهات جميعا، وهو اتجاه الفقهاء، وقد كانوا فى الغالب قضاة أو محدثين، أقاموا مباحثهم على الشريعة الإسلامية، ووجدنا فى عهدهم كتبا متفردة متخصصة، يمثلهم الماوردى فى كتابه «الأحكام السلطانية».

الاتجاه الرابع وهو الذى اتخذ شكلا من أشكال الفكر السياسى الموسوم بـ«نصائح الملوك» أو «مرايا الأمراء» ويمثل هذا الاتجاه الغزالى فى «التبر المسبوك فى نصيحة الملوك» والطرطوشى فى «سراج الملوك».

والاتجاه الأخير وهو ما بنى على تطور نظام الحكم الإسلامى، بتتبع الحوادث التاريخية الواقعة، ويمثل هذا الاتجاه ابن الطقطقى فى «الفخرى فى الآداب السلطانية والدولة الإسلامية» ومن بعده ابن خلدون الذى سلك هذا النهج، وانتهى إلى وضع أسس علم «العمران البشرى».

أما على مستوى البداية الفعلية والتطبيق العملى السياسى فى الإسلام، فقد بدأت فى دولة الإسلام بالمدينة المنورة لأول مرة فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث وضع أول دستور ينظم العلاقة بين الأفراد سكان الدولة الجديدة وهذا الدستور هو «صحيفة المدينة» فقد أوضح العديد من الحقوق والواجبات وأشار لأول مرة بوضوح لمفهوم «الأمة» وهو ما يعنى خصوصية هؤلاء الناس، «فأصبحوا أمة من دون الناس» ونظم العلاقة بينهم وبين اليهود، وكذلك بينهم وبين مشركى المدينة وهى تعتبر أول دستور سياسى أخلاقى تشهده الدولة الإسلامية أى أنه بداية للنموذج السياسى الإسلامى العملى.