حين كف بصر أبى الحسن الشاذلى رضى الله عنه، قال لتلميذه أبى العباس رضى الله عنه: يا أبا العباس انعكس بصرى على بصيرتى فصرت كلى مبصرا بالله الذى لا إله إلا هو، ما أترك فى زمانى أفضل من أصحابى وأنت والله أفضلهم. ثم قال له: كم سنك يا أبا العباس؟
قال أبوالعباس: 30 سنة. قال الشاذلى رضى الله عنه: بقيت عليك 10 أعوام وترث الصديقية من بعدى. هو الذى قال عنه أبوالحسن الشاذلى: يا أبا العباس، والله ما صحبتك إلا لتكون أنت أنا وأنا أنت. هو شهاب الدين أحمد بن عمر بن على الخزرجى البلنسى.. وريث أبوالحسن الشاذلى فى علمه، وصاحبه الذى تلقن التصوف على يديه.
ولد أبا العباس، عام 616 هجريا، الموافق 1219 ميلادية فى مدينة مرسية بالأندلس، ومنها حصل على لقبه «مرسى»، يتصل نسبه بالصحابى الجليل سعد بن عبادة.
لما بلغ ابن العباس سن التعليم، بعثه أبوه ليحفظ القرآن الكريم، ويتعلم القراءة والكتابة والخط والحساب، فحفظ القرآن فى عام.
ووفقا لترجمة عبدالوهاب الشعرانى فى كتابه «طبقات الأولياء لسيرة أبى العباس»: فإن والده عمر بن على كان من تجار مرسية، فلما استوت معارف أبى العباس، وظهرت عليه علامات النجابة، ألحقه والده بأعماله فى التجارة وصار يبعثه مع أخيه الأكبر أبو عبد الله فتدرب على شؤون الأخذ والعطاء وطرق المعاملات واستفاد من معاملات الناس وأخلاقهم.
استمرت حياته على هذا المنوال حتى عزم أبوه على الحج إلى بيت الله الحرام، فجمع أهله واستقلوا المركب، حتى إذا قاربوا شواطئ تونس، هبت عليهم ريح عاصفة، أغرقت السفينة، غير أن عناية الله أدركت أبا العباس وأخاه من الغرق، فقصدا تونس وأقاما فيها. اتجه الأخ إلى التجارة، فيما اختار أبو العباس تعليم الأطفال الخط والحساب والقراءة وحفظ القرآن الكريم.
يقول أبو العباس «لما نزلت بتونس، وكنت أتيت من مرسية بالأندلس، وأنا ذاك شاب، وكنت سمعت عن علمه وزهده وورعه، فذهبت إليه وتعرفت عليه وأحببت رفقته». ولازم أبوالعباس، شيخه، ملازمة تامة، وصار لا يفارقه فى سفر أو فى سكن، وتزوج من ابنته.
وفى سنة 624هـ، وصل أبوالعباس مع شيخه الشاذلى إلى الإسكندرية، واستقرا بحى كوم الدكة، وكان الشاذلى قد اختار جامع العطارين، لإعطاء دروس العلم، وعقد المجالس الصوفية، وهى الدروس التى أقبل عليها جمع غفير من خواص الإسكندرية، كما يقول الباحث والكاتب د.يوسف زيدان: «تولَّى أبوالعباس مشيخة الطريقة الشاذلية بعد وفاة أبى الحسن الشاذلى (سنة 656 هجرية) وكان عمره آنذاك 40 سنة.. وظلَّ يحمل لواء العلم والتصوف حتى وفاته 686 هجرية، بعد أن قضى 44 عاماً فى الإسكندرية، سطع خلالها نجم الطريقة الشاذلية فى الآفاق».
دُفن أبوالعباس فى الموضع الذى يحتله اليوم مسجده الكبير بالإسكندرية.. وكان هذا الموضع وقت وفاته، جبانةً يُدفن فيها الأولياء. وقد أُقيم سنة 706 هجرية بناءً على مدفنه، ليتَميَّز عن بقية القبور من حوله، فصار البناءُ مزاراً.. ثم صار مسجداً صغيراً بناه زين الدين القَطَّان، وأوقف عليه أوقافاً، وأُعيد بناء المسجد وتم ترميمه وتوسيعه سنة 1189 هجرية.
وفى سنة 1362 هجرية الموافق 1943 ميلادية أُعيد بناء مسجد أبى العباس المرسى، ليتخذ صورته الحالية التى صار اليوم عليها، وقام ببنائه وزخرفته المهندس الإيطالى ماريو رُوسِّى، وهو معمارىٌّ شهير، شغف ببناء المساجد، وما لبث أن أعلن إسلامه.. وتوفى بالحجاز.
وفيما كان الزهاد يقرءون كتاب «المواقف» للنفرى فى دار الزكى السراج بالقاهرة، سأل أبوالحسن: أين أبوالعباس؟. فلما جاء، قال له أبوالحسن: يا بنى تكلم، بارك الله فيك تكلم، ولن تسكت بعدها أبدا. واحتد أبوالعزائم ماضى يوما على أبى العباس، فهتف الشاذلى بتلميذه: يا ماضى، الزم الأدب مع أبى العباس، فوالله إنه لأعرف بأزقة السماء أكثر مما تعرف أنت أزقة الإسكندرية. وقال الشاذلى رضى الله عنه: هذا هو أبوالعباس، منذ نفذ إلى الله لم يُحجب، ولو طلب الحجاب لم يجده.