سيبقى عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية السابق ورئيس جهاز المخابرات، لغزا محيرا بما تولاه من ملفات غاية في الخطورة والحساسية، جعلته عن حق «الصندوق الأسود» لنظام مبارك، الذي يملك من الأسرار ما يمكنه أن يكشف الكثير عن أشخاص غادروا السلطة وآخرين مازالوا يصارعون كي يبقوا في سدتها.
ملف العلاقات المصرية الإسرائيلية
لم تكن وثائق «ويكيليكس» وحدها، التي كشفت عن موقف القادة الإسرائيليين من اللواء عمر سليمان، الذي تولى قيادة المخابرات المصرية، في 1993، فالرجل يدير منذ توليه المنصب الملف الإسرائيلي والفلسطيني، بعلاقاته القوية التي نجح في إقامتها بين الطرفين، كل على حدة، حتى أنه، كما يقول المحلل الاستخباراتي لصحيفة «هاآرتس» يوسي ميلمان: «يعتبر معروفًا للعشرات من كبار العاملين في الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية، بالإضافة إلى كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي، وموظفين كبار في وزارة الدفاع، بالإضافة إلى رؤساء حكومات ووزراء».
ويضيف ميلمان أن سليمان منذ توليه منصبه كرئيس للمخابرات العامة المصرية وهو يقيم اتصالات دائمة مع معظم قادة الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، الموساد الشاباك وأمان».
وكشفت وثيقة للخارجية الأمريكية، سربها موقع «ويكيليكس» يعود تاريخها إلى عام 2008 وجود اتصال يومي بجهاز المخابرات العامة المصرية ووزارة الدفاع الإسرائيلية، وبحسب الوثيقة فإن ديفيد هاشام، مستشار وزارة الدفاع الإسرائيلية، كان يمدح اللواء عمر سليمان بشدة ويؤكد أن الخط الساخن بين وزارته والمخابرات المصرية يعمل بشكل يومي.
لعب عمر سليمان «دورًا مفصليًا في توثيق علاقات التعاون العلني والسري» بين مصر وإسرائيل، بحسب يوسي ميلمان، محرر الشؤون الاستخباراتية في صحيفة «هاآرتس»، الذي أضاف أن سليمان هو الرمز الأبرز لهذه العلاقة منذ توليه قيادة المخابرات المصرية في 1993.
صفقة الغاز
لعب اللواء عمر سليمان دورًا محوريًا في التحضير والتوقيع على اتفاقية تصدير الغاز الطبيعي المصري إلى إسرائيل، في 2005 وتشير مراسلات بينه وبين وزير البترول الأسبق سامح فهمي إلى أن هذا الدور يرجع إلى بداية عام 2000 تقريبًا، حين أرسل لفهمي الجدول الزمني لتزويد إسرائيل بالغاز الطبيعي المصري.
في بداية 2004، أرسل سليمان لوزير البترول وقتها سامح فهمي مشروع الاتفاقية، وفي إبريل 2005 أرسل له «مذكرة التفاهم الخاصة بشراء ونقل الغاز الطبيعي عبر خط الأنابيب بين الحكومة الإسرائيلية والحكومة المصرية»، وأبلغه أن وزير البنية التحتية بنيامين بن أليعازر «يرغب في توقيع مذكرة التفاهم مع توقيع شركة الكهرباء الإسرائيلية وشركة EMG عقد توريد الغاز». وهو ما حدث بالفعل.
المصالحة الفلسطينية
منذ توليه قيادة المخابرات العامة المصرية، عام 1993، تولى اللواء عمر سليمان، بتكليف من الرئيس المخلوع، حسني مبارك، إدارة الملف الفلسطيني، بكل جوانبه، سواء التفاوض مع الجانب الإسرائيلي بعد أوسلو، أو عقد الصفقات بين الجانبين، أو ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل، وصولًا إلى ملف المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس.
في نوفمبر 2004، أُعلن من باريس عن وفاة الزعيم الفلسطيني، الذي استطاع أن يوحد الشعب الفلسطيني بكافة فصائله خلفه، ياسر عرفات. تبدأ الخلافات بين الفصائل في الظهور مبكرًا، ما جعل مصر تدعو إلى حوار للفصائل الفلسطينية في القاهرة، برعاية سليمان في مارس 2005، قبل خمسة شهور من الانسحاب الإسرائيلي، أحادي الجانب، من قطاع غزة في أغسطس 2005.
في نفس الشهر قام سليمان بزيارة مكوكية، إلى رام الله وغزة، وكان أرفع شخصية تلقي كلمة في هذه المناسبة، في المجلس التشريعي الفلسطيني. تلى ذلك فتح معبر رفح الحدوددي بين مصر وقطاع غزة، ثم انقلاب حماس على السلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة، ليبدأ أول انقسام وصراع مسلح فلسطيني- فلسطيني في تاريخ القضية، ومعه قام اللواء عمر سليمان بعدد من اللقاءات والجولات في محاولة لوقف الاقتتال بين حركتي حماس وفتح، من بينها لقائه في دمشق خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس في أكتوبر 2006، ثم في القاهرة في نوفمبر من نفس العام.
توالت اللقاءات بقيادات حماس وفتح وبقية الفصائل الفلسطينية، نجحت جهود المخابرات المصرية بقيادة عمر سليمان في وقف الاقتتال الفلسطيني_ الفلسطيني، إلا أنها فشلت في عقد المصالحة الفلسطينية.
بعد الثورة اتهمت حركة حماس، على لسان رئيس مكتبها السياسي، خالد مشعل، اللواء عمر سليمان بتعمد إفشال المصالحة الوطنية الفلسطينية، من خلال رفضه على ملاحظات حماس على الورقة المصرية التي قدمتها المخابرات، إلا أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، نفى الاتهام، وقال إن سليمان: «لم يعطل شيئًا على الإطلاق، وكان حريصا كل الحرص على المصالحة».
التعذيب بالوكالة
لم تتناول الصحافة المصرية الأمر بقدر ما أثارته الصحف الغربية كثيرا وتحدثت عنه وسبرت أغواره، إنه مشروع الاستجواب بالوكالة الذي اتبعته الولايات المتحدة خلال العشرين عاما الماضية، وخاصة في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
«نيويوركر» الأمريكية «منذ سنة ١٩٩٣وعمر سليمان يرأس جهاز المخابرات العامة، وفي العموم كان رجل الولايات المتحدة فيما يتعلق ببرنامج الترحيل السري الذي كان متبعا من قبل المخابرات المركزية الأمريكية، حيث تتعقب الأخيرة المشتبه في تورطهم في (منظومة الإرهاب)، وتقوم باختطافهم من أي مكان بالعالم، وتسلمهم للسلطات المصرية ليخضعوا للاستجواب، وغالبا ما يكون ذلك تحت ظروف وحشية».
ستيفن جراي، «منذ بداية التسعينيات، وسليمان يتفاوض مباشرة مع كبار المسؤولين في المخابرات المركزية الأمريكية، وكانت كل عملية ترحيل تتم بموافقة من أعلى المستويات في جهازي المخابرات المصري والأمريكي»، ويضيف جراي في كتابه، أن إدوارد س. واكر، سفير الولايات المتحدة الأسبق في مصر، وصف عمر سليمان أنه «لامع وواقعي».
ويضيف «واكر» أنه كان واعيا للجانب السلبي فيه، فيقول: «كنت واعيا لبعض الجوانب السلبية المتورط بها المصريون مثل التعذيب وما شابه».
تصريح لها في ٢٠١١ عقب تولي «سليمان» منصب نائب رئيس الجمهورية، حيث قال «زوسكيند»: «عندما طلبت المخابرات الأمريكية من سليمان عينة من الحمض النووي لأحد أقارب أيمن الظواهري، عرض سليمان أن يرسل لهم ذراعا كاملة لأحد أقاربه».
«مذهب الواحد في المائة» قصة احتجاز «ابن الشيخ الليبي»، التي تعتبر أشهر قضايا «الاحتجاز بالوكالة» التي تمت بمعرفة المخابرات المصرية، حيث ألقت السلطات الباكستانية القبض على «الليبي» على الحدود مع أفغانستان، وتم تسليمه للولايات المتحدة وترحيله إلى مصر لاستجوابه هناك، بحسب ما جاء في كتاب «زوسكيند».
واستند كولين باول في خطابه أمام مجلس الأمن قبل ضرب العراق على اعترافات «الليبي» بأن هناك علاقة بين نظام صدام حسين وتنظيم القاعدة، وهي الاعترافات التي يفترض أن «الليبي» أدلى بها أمام رجال المخابرات المصرية، وبعد مرور عدة سنوات على احتلال العراق لم يتوفر خلالها أي أدلة سواء على وجود علاقة بين «القاعدة» ونظام صدام حسين، أو امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، عاد «الليبي» سنة ٢٠٠٦ وأكد أمام المخابرات الأمريكية أن اعترافاته كانت تحت وطأة التعذيب على يد المخابرات المصرية، وقال: «لقد كانوا يعذبونني.. وكان ينبغي أن أقول لهم شيئا.. لقد كانوا يقتلونني».