«كعكة المتوسط»..ماذا يعني ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان حول الغاز الطبيعي؟

كتب: عمر علاء الجمعة 07-08-2020 11:25

تصدر المشهد في الوقت الراهن فصل جديد من الصراع حول حوض شرق البحر المتوسط، وذلك بعد توقيع مصر واليونان، أمس الخميس، اتفاقا حول تعيين المنطقة الإقتصادية الخالصة بين البلدين، ليقطع الطريق على تركيا في أطماعها في تلك المنطقة.

وعقد وزير الخارجية سامح شكري، ونظيره اليوناني نيكوس دندياس، المؤتمر الصحفي أعلن فيه عن توصل البلدين لأتفاق حول تعيين الحدود البحرية بين الدولتين، عقب مباحثات عقداها بمقر وزارة الخارجية، وأكد الطرفان على أن البلدان تعيشان طرف تاريخيا لتحقيق سبل التعاون وتعظيم التعاون في مجال الطاقة

ماذا يعنى هذا الاتفاق؟

يقول وزير الخارجية المصري، إن هذا الاتفاق يتيح لكل من مصر واليونان المضي قدمًا في تعظيم الاستفادة من الثروات المتاحة في المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل منهما، خاصة احتياطات النفط والغاز الواعدة ويفتح آفاقا جديدة لمزيد من التعاون الإقليمي بمجال الطاقة في ظل عضوية البلدين في منتدى غاز شرق المتوسط.

من جانبه، قال وزير الخارجية اليوناني، إن الاتفاق قانوني على عكس أي شيء مخالف وغير شرعي مثل ما تم توقيعه بين تركيا وطرابلس، وهي اتفاقية ليس لها وجود ومكانها سلة القمامة –على حد تعبيره.

ماهي أهمية ترسيم الحدود بين الدول؟

تكمن أهمية ترسيم الحدود البحرية بين الدول من إمكانية الاستفادة من الثروات الطبيعية في قاع البحار في المناطق الاقتصادية الخالصة للدول، ولا يحق للدول التنقيب أو استخراج تلك الثروات إلا بعد ترسيم حدودها البحرية مع الدول المجاورة. وتعد منطقة حوض شرق البحر الأبيض المتوسط، من المناطق الغنية بالثروات خاصة الغاز الطبيعي.

ماذا كان موقف تركيا من الإتفاقية؟

بعد الإعلان عن الاتفاق سارعت أنقرة برفضها لها، معتبرة إياها ترتبط بـ “الجرف القاري التركي«، معتبره الاتفاق باطل، ووجهت بلاغ بهذا الشأن للأمم المتحدة.

ماذا يقول الخبراء في هذا الأمر؟

رد المستشار أحمد حافظ المتحدث باسم الخارجية على رفض تركيا قائلاً: «إنه لمن المستغَرب أن تصدر مثل تلك التصريحات والادعاءات عن طرف لم يطَّلع أصلاً على الاتفاق وتفاصيله».

وفند الدكتور بشير عبدالفتاح الخبير في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الادعاءات التركية، قائلاً في تصريحاته: «الأسس القانونية لترسيم الحدود البحرية لا تستند لمبدأ واحد، تعد أحد هذه المبادئ هو الجرف القاري الذي يعنى أن تحصل كل دولة على 200 ميل بحري، لكنه أنبه إلى أنه لا يمكن ان تطبيق ذلك المبدأ في حوض شرق المتوسط، لان عرض البحر لا يسمح لكل دولة أن تحصل على 200 ميل بحري، لافتا إلى أن عرض المسطح المائي بين مصر وتركيا 322 ميل بحري فقط، ويتراوح بين 60-70 ميل تركيا واليونان».

وأشار في تصريحات خاصة لـ “المصري اليوم«إلى أن ما استندت إليه تركيا في توقيع مذكرة تفاهم مع السراج لا يتماشى مع قواعد قانون البحار حيث أن ترسيم الحدود يكون بين الدول المتجاورة أو المتقابلة، وهي الحالة التي لا تنطبق على تركيا وليبيا بل أن مذكرة التفاهم قسمت البحر لنصفين نصف تركي واخر ليبي.

ماذا عن توقيت الإتفاق؟

حول توقيت الاتفاق قال الخبير في مركز الأهرام: «الاتفاق شكل صدمة لتركيا لأنها لم تتوقع ان يجري بهذه السرعة، مشيرا إلى أن زيارة وزير الخارجية اليوناني كانت مفاجأة ولم يعد لها، واوضح أنه كانت هناك عدة نقاط خلافية بين مصر واليونان حول حقوق بعض الجزر في ترسيم الحدود البحرية وخلاف حول البلوك 12 وهو نقطة تلاقي الحدود البحرية للدولتين».

ولفت إلى أن انقرة كانت تراهن على أن الاتفاقية المصرية واليونانية التي يعد لها منذ 2003، ستأخذ سنوات، مما يمهد الطريق لتركيا لفرض أمر واقع.

وتابع عبدالفتاح أن ما عجل بتوقيع الاتفاق هو مذكرة تفاهم مع السراج التي قسمت البحر شقين وتجاهلت حقوق جزيرة كريت اليونانية واتاح لتركيا التنقيب في الشقين التركي والليبي.

ولم يرجع عبدالفتاح أن يؤول الخلاف المصري التركي إلى اعتراض تركيا لعميات التنقيب في المناطق المصرية، موضحاً ان تركيا لا تريد الصدام مع مصر، كما أن مصر بعيد عن تركيا، لافتا إلى أن الخلاف انقرة مع اليونان وقبرص بالأساس نظرا لقرب سواحل الدولتين منها ونزاع حول جزر يونانية في بحر إيجة، مما يصنع أزمة حين ترسم الحدود، علاوة على صراعات جيو سياسية وثقافية تاريخية بين تركيا وكل من قبرص واليونان.

وأردف أن ما يؤكد ذلك أن أنقرة حاولت استمالة بمصر بعد التوقيع مع السراج على مذكرة التفاهم بزعم اكتشافها ان مصر لديها مساحة أكبر من المناطق الاقتصادية الخالصة، لاستمالة القاهرة للاصطفاف بجانب تركيا، وأضاف رغم اعتراض تركيا لسفن تنقب عن الغاز في مياه قبرص أو اليونان لم يحدث معنا هذا، لان مصر دولة قوية وهامة في المنطقة وتركيا لا تريد أن تصطدم معنا.

هل تتأثر الشركات الكبرى العاملة في تلك المنطقة؟

الدكتور احمد قنديل رئيس برنامج الطاقة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، يجيب بـ “لا«، قائلاً في تصريحاته:»أن الشركات تحتاج لأساس قانوني ترتكز عليها أنشطتها، مشيرا إلى أن إن تركيا لديها تصور احادي لترسيم الحدود البحرية لا يتماشى مع مبادئ القانون الدولي«.

وأضاف: «أنه لا يتوقع أن ستستند أي شركة في العمل بهذه المذكرة»، خاصة وأن مجلس النواب الليبي رفضها وبالتالي فالمذكرة باطلة، لأنه لا يحق لرئيس المجلس الرئاسي إبرام اتفاقات دولية دون مواقفه مجلس النواب وفق اتفاقية الصخيرات -الاتفاقية التي أنشأت حكومة الوفاق-.

ولفت قنديل إلى عامل أخر وهو عدم ثقة الشركات الكبرى في التعاون مع تركيا رغم امتلاك تركيا أطول سواحل على المتوسط، إلا أنه لا توجد شركة عالمية تتعاون معها، عدم الاطمئنان لممارساتها في المتوسط.

وأضاف قنديل في تصريحات خاصة لـ«المصري اليوم» أن مصر في المقابل لديها رؤية ثباتة وتتسق مع القانون الدولي، وان الشركات الكبرى في الطاقة مثل ايرني وموبيل وتوتال، تتنقب قرابة السواحل المصرية، متوقع ان تفتح الاتفاقية افاق لاكتشافات جديدة وتفتح الباب لطرح مزايدات جديدة من الشركات الطاقة العالمية للتنقيب، ومد انابيب الغاز تجاه أوروبا مما يمهد لمصر أن تكون مركز طاقة إقليمي وليس تركيا.

وتوقع رئيس برنامج الطاقة بمركز الأهرام أن تلقي الاتفاقية دعم المجتمع الدولي وفي مقدمتهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لأنها ترتكز على أسس واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام1982، والقواعد الدولية المتعارف عليها، خاصة بعد تصديق الهيئات التشريعية عليها مما يكسبها قوة أكبر.

ما فائدة الاتفاقية لمصر؟

ستتمكن مصر بموجب هذا الترسيم من التنقيب عن النفط والغاز في المناطق الاقتصادية الغربية الواقعة على الحدود البحرية مع تلك الخاصة باليونان.

أهمية الاتفاق تتمكن في إنها تعطي الحق لمصر واليونان في البحث والتنقيب في شرق المتوسط، كما أنها تعزز العلاقة الثنائية بين القاهرة وأثينا في مجالات عدة.

كما أنه بموجب الاتفاقية ستتصدى مصر واليونان للتحركات التركية غير المشروعة في مياه البحر المتوسط، وتفتح الطريق أمام مرحلة جديدة في التعاون الثنائي والإقليمي للاستفادة من ثروات شرق المتوسط من جانب ومواجهة الإرهاب من جانب آخر.

لكن ما خلفية الصراع حول غاز المتوسط؟

تعد أولى صفحات القصة بدأت عام 2010 حين أعلنت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، أن حوض شرق البحر المتوسط، يحتوي على 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، و1.7 مليار برميل احتياطي من النفط، وبعد استمرار الاكتشافات يبلغ الأن احتياطي الغاز الطبيعي فيها إلى200 تريليون قدم مكعب من الغاز، بحسب تصريحات سابقة لوزير البترول المصري،

وعقب الاكتشافات ولأن جميع الدول المطلة على منطقة شرق البحر المتوسط تعاني من عجز في الطاقة لم تماطل تلك الدول في السعي لأكتشاف الثروات في قاع البحر.

وبدأ يأخذ النزاع شكله القانوني منذ عام 2013، حين وقعت مصر وقبرص لإتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين الدولتين في ديسمبر من عام 2013، في المقابل سعت تركيا للتنقيب عن الغاز في مياه قبرص بالتنسيق مع حكومة شمال قبرص -وهو جزء احتلته تركيا عام 1974، ولا يعترف بها أحد سوى تركيا-.

ومن هنا سعت تركيا عبر منابرها الإعلامية بالادعاء أن مصر بتوقيعها للاتفاق تنازلت عن جزء من حدودها البحرية لصالح قبرص، سعيا من تركيا لانتقاص من الحقوق القبرصية،

وعقب الاتفاقية المصرية القبرصية توالت الاكتشافات في المياه المصرية والتي يعد أبرزها حقل ظهر، الذي يعتبر أكبر حقل الغاز مكتشف في شرق المتوسط حتى الأن.

وفي هذا السياق وجدت تركيا نفسها في عزلة في شرق المتوسط، خاصة مع وجود صراعات تاريخية مع العديد من الدول الشاطئية للحوض على رأسهم اليونان وقبرص، لذا لم يتوانى الاتراك في التحرش فالسفن التي تنقب عن الغاز والبترول قبالة السواحل القبرصية واليونانية، طوال السنوات الأخيرة، مما دفع أثينا للجوء للناتو لوقف التعدي على سيادتها.

وسعيا منها لإيجاد موطئ قدم في كعكة غاز المتوسط، استغلت تركيا الصراع الليبي، لتوقع مع حكومة الوفاق الليبية مذكرة تفاهم في نوفمبر الماضي ترسيم الحدود البحرية، الاتفاقية التي لاقت انتقادات من الاتحاد الأوروبي، وشجب متكرر من قبل باقي دول الحوض، معتبرين إياها أنها لا تكفل أي حقوق لباقي دول حوض شرق المتوسط، كان اخر تلك الإدانات، إعلان مشترك لكل من مصر واليونان وقبرص وفرنسا وأنضمت إليه الإمارات لرفض الاستفزازات التركية.

ويشكل توقيع مصر واليونان اتفاق لترسيم الحدود أحدث الفصول في قصة ممتدة عبر قرابة عشر سنوات من الصراع حول الطاقة والغاز الطبيعي.