مئات الضحايا القتلى والمصابين والخسائر المادية التي وقعت في لبنان تندرج جميعها تحت عنوان «الانهيار الكبير»، والذي وقع في مرفأ بيروت، مما يعد بمثابة «نكبة» تضاف إلى سلسلة الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها البلاد.
ظل لبنان محاصرًا على مدى عقود بعدد من الأزمات المستعصية مما أصابه بالشلل، فهذا البلد مُني بحرب أهلية مدمرة على مدار 15 عامًا، وظل محاصرًا في أغلب أوقاته في مرمى الصراعات الإقليمية، فضلا عن النزاعات الطائفية والأزمة الاقتصادية أم الأزمات اللبنانية التي أدت إلى «تركيع» هذا البلد يأسًا وضعفًا.
يشارك لبنان غيره من دول العالم في وباء كورونا، والذي سجل أكثر من 5 آلاف حالة إصابة، و65 وفاة، وعلى الرغم من أن الأرقام قليلة بالمقارنة بغيره من الدول، إلا أنها ارتفعت لتشمل أجزاء أخرى من البلاد، وعلى الرغم من الإغلاق الذي فرضته الحكومة على مدى 5 أيام والذي انتهى لتوه، إلا أن الأطباء حذروا من أن النظام الصحي الهش بالبلاد.
وفي هذا الصدد، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية في تقرير مشترك مع صحيفة الجارديان البريطانية، تصريحات للدكتور عثمان إيتاني، استاذ الأمراض الرئوية والمتخصص في الرعاية المركزة، والذي قال إن غرف الرعاية المركزة في مستشفى جامعة رفيق الحريري كاملة العدد في الوقت الراهن، وأنها لا تستطيع استيعاب الحالات التي تحتاج للرعاية، مضيفًا أن عدد الحالات يتجاوز 100 حالة في اليوم، وهي مشكلة كبيرة لا يمكن حلها من خلال النظام الصحي والتي تفوق قدراته.
وقالت وزارة الصحة اللبنانية في تقرير لها، إن فيروس كورونا ينتشر على نحو سريع، وذلك لأنه قيود الإغلاق وجهت باستخفاف تجلَّى في حضور الناس لحفلات الزفاف وغيرها من الحفلات والشعائر الدينية والتجمعات العامة.
ويعتبر الفساد وما تبعه من رد فعل، أظهره اللبنانيون في الاحتجاجات، من العوامل التي ساهمت في تفاقم الأوضاع في هذا البلد، ففي شهر أكتوبر من العام الماضي شاركت ما لا يقل عن 70 مدينة عبر لبنان في مظاهرات ضد الفساد الحكومي وتدابير التقشف وضعف البنية الأساسية –فمياه الصنبور غير آمنة للشرب- إلى جانب تكرار انقطاع التيار الكهربائي بشكل يومي.
هذه المظاهرات، التي لا تتخذ على الإطلاق الطابع الطائفي، أصابت البلاد بالشلل، وأدت إلى استقالة سعد الحريري من منصبه كرئيس للوزراء.
غير أنه لم يتغير إلا القليل منذ خروجه من السلطة، حسب التقرير، فانقطاع الكهرباء يزداد سوءًا والأزمة الاقتصادية تتفاقم، وأسعار الغذاء تقفز لتصل حتى 80%.
أما الوضع الاقتصادي، فلبنان تعاني من أزمة اقتصادية أصابتها بالكساح، ودفع الآلآف إلى السفر خارجه، وأججت احتجاجات واسعة النطاق ضد ما يعتبر نظامًا سياسيًا فاسدًا، فاقد الأهلية.
وفي هذا الصدد، أشار تقرير إلى أن نحو نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر و35% بلا عمل وفقا للإحصائيات الرسمية.
وأعلن لبنان، في مارس الماضي، وللمرة الأولى في تاريخه، أنه يتعثر في دفع ديونه، وأن عليه ديون محلية بلغت 92 مليار دولار، أي ما يقرب من 170% من إجمالي الناتج المحلي، وهي واحدة من أعلى نسب الديون في العالم.
وفي مايو الماضي، دشنت البلاد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بهدف تأمين مساعدة حيوية بمقتضى خطة تبنتها الحكومة لإنقاذ الاقتصاد، بينما توقفت المباحثات منذ ذلك الحين.
وتوقع التقرير أن يؤدي تدمير ميناء بيروت إلى المزيد من تخريب البلاد، موضحًا أن لبنان لديه حدودين بريين، الأول يشترك مع سوريا التي مزقتها الحرب، والآخر مع إسرائيل التي يعد لبنان معها «تقنيًا» في حرب، كما يعتمد لبنان بشكل مكثف على الواردات للحصول على مواردها الغذائية.
وقال الباحث بالمعهد الدولي للسياسة العامة ببرلين، توبياس شنايدر، إن لبنان يعتمد على الواردات للحصول على 90% من استهلاكه للقمح، والذي يستخدم في الخبز «المفلطح» اللبناني، وهو سلعة رئيسية في البلاد، في حين أن معظم الورادات تدخل من خلال منفذ وحيد.
وهناك جانب آخر يعتبر الأكثر قسوة في تاريخ لبنان، والذي يتمثل في الصراعات الإقليمية، فحرب أهلية معقدة ودموية، اندلعت على طول خطوط سياسية وطائفية، في الفترة ما بين 1975 و1990، وأزهقت روح 120 ألف شخص ونفي مليون آخرين، وذلك قبل أن تحتل سوريا وإسرائيل أجزاء من لبنان لنحو عقدين، بينما انسحبت القوات الأجنبية أخيرًا في 2005.
وأشار التقرير إلى أن حركة حزب الله الشيعية المدعومة إيرانيًا، والتي خاضت حربًا استمرت شهرًا في 2006 ضد إسرائيل، برزت كإحدى حركات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي للبنان، وأعلن حزب الله في 2013 أنه يحارب إلى جانب نظام الرئيس السوري بشار الأسد، مما أدى إلى مزيد من الانقسام في المشهد السياسي اللبناني، فضلا عن العقوبات التي حدت من الأموال الخليجية التي كانت تأتي في شكل سياحة وعائدات المسافرين التي تتدفق على البلاد.
غير أن التأثير الأكثر وضوحًا في لبنان جراء الحرب السورية، ينعكس في تدفق ما يقدر بـ1.5 مليون لاجئ على بلد يبلغ تعداد سكانه نحو 4.5 مليون نسمة، ومن ثم دق لبنان ومنظمات دولية ناقوس الخطر في عديد من المناسبات بشأن العبء الاقتصادي والاجتماعي الذي شكله هذا التدفق في دولة «غير مجهزة» لمساعدتهم.