فاجأ الرئيس التونسي قيس سعيد، مساء السبت، جميع الأحزاب السياسية وخاصة حزب النهضة بتعيينه هشام المشيشي لتشكيل حكومة جديدة الذي لم يكن ضمن الأسماء المقترحة من قبل الأحزاب التونسيّة الموجودة في السلطة.
وقبيل الإعلان عن القرار أشار رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في تصريح لـ«موزاييك» السبت، إلى حاجة البلاد إلى رجل اقتصاد وليس إلى رجل قانون على رأس الحكومة «له خبرة وليس مجرد نظريات»، وأن يكون مديراً ناجحاً'، وذلك لتحقيق أهداف الثورة بما في ذلك الكرامة والتشغيل وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية.
غير أن اختيار سعيّد وقع على رجل القانون وزير الداخليّة في حكومة تصريف الأعمال، في مهمّة يتعيّن عليه إنجازها خلال شهر في مناخ سياسي متوتّر. وفي كلمته إلى المشيشي، بحسب شريط فيديو نشره الموقع الرسمي لرئاسة الجمهوريّة، يقول الرئيس سعيّد إنّه «بعد النّظر والتعمّق وقراءة كلّ الأوضاع، كلّفتكُم هذا اليوم طبقاً للفصل الـ 89 من الدستور، وبعد إجراءات المشاورات كما نصّ على ذلك الفصل المذكور، (..) بتشكيل الحكومة».
وفي أولى التعليقات الصادرة عن الأحزاب التونسية على قرار الرئيس، عبّر رئيس كتلة إئتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف، عن امتعاضه من أن «مصير الاستشارات الورقية بخصوص رئيس الحكومة كان سلة مهملات القصر، مشدداً على أنّ رئيس الجمهورية»تحوّل إلى عبء حقيقي على الانتقال الديمقراطي في تونس وينكر فعلياً الدستور والنواب والأحزاب«، وفق ما نقل موقع قناة»نسمة«التونسية عن مخلوف. لكن مواقع تونسية أخرى أشارت إلى أن قيس سعيد تعمد تجنب الأسماء المقترحة خاصة من قبل حزب النهضة، واعتمد على وجه الخصوص على أسماء تحظى بثقته شخصياً.
ويستنتج مراقبون أن أولويات الحكومة ستكون أمنية إلى جانب الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، بالعودة إلى تصريحات سعيّد في أكثر من مناسبة عن «مؤامرات لزعزعة أمن الدولة من الداخل».
عند تكليفه المشيشي كان سعيّد قد شدد على أن الوقت حان لمراجعة «الشرعية» في البلاد، في إشارة إلى النظام السياسي القائم. وقال الرئيس التونسي: «الشرعية نحترمها، لكن آن الأوان حتى تكون تعبيراً صادقاً عن إرادة الأغلبية».
ويقصد الرئيس ضمنياً نسبة انتخابه التي فاقت 70 بالمئة في انتخابات الرئاسة 2019 وبعدد أصوات فاق أصوات الأحزاب مجتمعة في الانتخابات التشريعية في العام ذاته.
ومن بين المقترحات التي ناقشها سعيد في حملته الانتخابية مراجعة النظام السياسي من أجل الذهاب إلى نظام رئاسي لتعزيز صلاحيات الرئيس والحد من تشتت السلطات بين البرلمان والحكومة والرئاسة.
ويمنح النظام السياسي في تونس الذي يمزج بين الرئاسي والبرلماني، حزب الأغلبية في البرلمان اختيار مرشحه لتشكيل الحكومة، وهو ما حصل مع حزب «حركة النهضة الإسلامية» الفائزة بانتخابات 2019.
وفشل مرشح النهضة الحبيب جملي في نيل ثقة البرلمان في يناير الماضي بعد استنفاد الآجال القصوى في الدستور، وجرى نقل المبادرة السياسية إلى الرئيس بحسب الدستور، الذي اختار رئيس الحكومة المستقيل إلياس الفخفاخ ليتولى مهامه في فبراير الماضي.
ويمنح الدستور رئيس الجمهورية صلاحية اختيار «الشخصية الأقدر» في هذه الحالة بغض النظر عن ترتيب الأحزاب في البرلمان.
يبدو واضحا أن اختيار المشيشي أغضب النهضة وحلفاءها، فقد رحب به عدد من النواب من بينهم حاتم بوبكري الذي وصف رئيس الحكومة المكلف بـ«الرجل المحترم البعيد عن التحزب ودوائر المال والمؤمن بالدور الاجتماعي للدولة»، واعتبر أن اختياره «ينسجم مع الشروط التي وضعها حزبه حركة الشعب لشخصية رئس الحكومة».
فيما رأى النائب ياسين العياري أن المشيشي مطالب بـ«إعادة الثقة للحياة السياسية»، مضيفا أن قادة حركة أمل وعمل، ورغم موقعهم في المعارضة، سيتعاملون مع الحكومة بإيجابية في الرقابة والتشريع والاقتراح.
من جهة أخرى، اعتبر المحلل السياسي سمير عبدالله اختيار المشيشي «مفاجأة سارة»، بالنظر إلى أدائه الناجع خلال الخمسة أشهر التي قضاها على رأس وزارة الداخلية.
فمن هو هشام المشيشي؟
يخلف المشيشي، المحامي البالغ من العمر 46 عاماً، في هذا المنصب رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ الذي استقال في وقت سابق من الشهر الحالي. وقبيل منصبه كوزير للداخليّة في حكومة تصريف الأعمال، شغل المشيشي أيضاً منصب المستشار الأوّل للرئيس سعيّد للشؤون القانونيّة.
كما كان رئيساً للديوان في وزارات النقل والشؤون الاجتماعيّة والصحّة. وبعد تشكيل الحكومة المنتظرة، يتعيّن المشيشي الحصول على ثقة البرلمان بالأغلبيّة المطلقة، وإذا فشل في ذلك، سيتمّ حلّ البرلمان وتنظيم انتخابات جديدة في غضون ثلاثة أشهر.
وخلال الانتخابات الأخيرة التي أُجريت في أكتوبر، حلّ حزب النهضة الاسلامي أوّلاً، لكنّه فشل في الحصول على الغالبيّة، إذ حصد 54 مقعداً من أصل 217، ووافق في نهاية المطاف على الانضمام إلى حكومة ائتلافيّة.
وتزامن تكليف المشيشي أمس السبت بالذكرى الثالثة والستّين لإعلان الجمهوريّة التونسية الذي تمّ فيه إلغاء النظام الملكي وإعلان النظام الجمهوري سنة 1957.
كما صادف التكليف الذكرى السنويّة الأولى لوفاة الرئيس السابق الباجي قايد السبسي، أوّل رئيس تونسي منتخب بالاقتراع العام المباشر عام 2014 والذي توفّي قبل أشهر من انتهاء ولايته عن عمر ناهز 92 عاماً.
ووسط الاحتقان السياسي الراهن، نشرت الرابطة التونسيّة للدّفاع عن حقوق الإنسان أول أمس الجمعة بياناً اعتبرت فيه أنّ الحكومات المتعاقبة لم تنجح في وضع سياسة إنمائيّة قادرة على التخفيف من البطالة والاختلالات بين المناطق والتضخّم المالي والعجز التجاري.
وتواجه تونس بفعل تدابير جذريّة لاحتواء فيروس كورونا المستجدّ، التداعيات الاقتصاديّة والاجتماعيّة لإغلاق حدودها، إذ باتت آلاف الوظائف على المحكّ، بينما يتفاقم الغضب الشعبي بسبب غياب الآفاق ومعدل بطالة يفوق 30 بالمئة في بعض المناطق. وكانت مناطق في جنوب البلاد قد شهدت في الأسابيع الأخيرة، احتجادات قوية ضد ما وصفت بسياسات التهميش.
وتواجه الأحزاب الآن خيارين لا ثالث لهما، إما منح الثقة لحكومة المشيشي، أو حل البرلمان وإعادة الانتخابات، مع ما يمكن أن تفرزه من نتائج مغايرة للمشهد السياسي الحالي، تصب وفق استطلاعات الرأي في صالح الحزب الدستوري الحر والقائمات المساندة للرئيس قيس سعيّد.