كوفيد- 19 والزحام المجنون

أسامة غريب السبت 25-07-2020 02:24

هل التباعد يحمى الناس حقًا؟.. وماذا عن شرخ الأرواح الذى يحدث جراء التباعد؟ لقد وصل الأمر إلى توصية صدرت فى إسبانيا للناس بأن يرتدوا الكمامات داخل المنازل ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، فهل يكمن الحل فى البُعد عمَّن نحب وأن نُحرم من منح أطفالنا وحبيباتنا القبلات والضمات والأحضان، التى ترفع مناعتهم وتهيئهم لمواجهة العالم؟ لقد نعى ابن زيدون، فى الزمن السابق، الأيام الصعبة، قائلًا: أضحى التنائى بديلًا من تدانينا.. وناب عن طيب لقيانا تجافينا. لم تكن هناك جائحة تُقْصِى ابن زيدون عن ولّادة بنت المستكفى، لكن دسائس القصر وألاعيب السياسة باعدت بين الحبيبين، ولعل والدها «المستكفي» لو لم يكن مستكفيًا بذاته لاحتاج أن يطوى قصره على المحبة بين روحين عاشقين بدلًا من طيه على التنافر والشقاق.

كل يوم نقرأ عن شركة جديدة قامت بتطوير لقاح ضد الكورونا سيكون متاحًا فى غضون أسابيع قليلة.. لقاح ألمانى يريد ترامب أن يحتكره لنفسه، ولقاح روسى، ولقاح فرنسى، غير لقاح إيرانى، ولقاح تركى. لقد وصل الأمر إلى أن وزارة الصحة الفرنسية قد اشترت مقدمًا من معامل شركة استرازينيكا بحوالى مليار يورو لقاحًا ضد الفيروس التاجى، وقد وعدهم المختبر بتسليمهم الكمية فى أكتوبر القادم، ويبدو أن النية تتجه فى العالم كله نحو إجبار البشر على الخضوع لحملة تلقيح إجبارى لعقار لم يأخذ حقه من التجارب التى تستمر سنوات فى الظروف العادية، وسوف تستفيد شركات الأدوية، المملوكة للاحتكارات الكبرى، من الهلع العالمى الذى امتلأت به النفوس، ومن المؤكد أن تمتلئ الخزائن بأموال تساوى حجم الهلع!. يقول الدكتور مايك ريان، المدير التنفيذى لمنظمة الصحة العالمية: «لقد تعلمنا أنه إن كان من شىء أخطر من الفيروس السيئ فهو اللقاح السيئ، وعلينا الحذر من تطوير منتج من المفترض أنه مُعَدّ لحقن غالبية سكان العالم»، بينما يقول عالِم المناعة الأمريكى الشهير، أنطونى فوتشى: «إن أسوأ شىء يمكن القيام به هو تلقيح شخص لحمايته من الفيروس، فينتهى به الأمر وقد نجا من الفيروس، لكن ساءت حالته بتداعيات أخرى!».

لقد أصبح منظرًا مألوفًا أن يشاهد الناس بالمنازل مباريات الدوريات الأوروبية بدون جمهور، ورغم ذلك فإن نظرة انكسار تتَبَدَّى فى عيون جمهور البيوت الخاضع. وربما أن ما يجعل الأمر خطيرًا هو عدم قدرة الناس على الاعتراض لأنه تم ترويضهم وكسر شوكة المعارضة فى داخلهم، بعد أن أخضعتهم الحكومات على مدى الشهور الماضية، وفرضت عليهم الجلوس القسرى بالمنازل، وهو أمر يفوق ما تناوله جورج أورويل فى روايته 1984. وإذا كانت رواية الأديب الإنجليزى توماس هاردى، المعروفة باسم «بعيدًا عن الزحام المجنون»، تقوم بتمجيد الحياة الهادئة بعيدًا عن صخب المدن وسكانها الجشعين، فإن الاندماج فى الزحام المجنون أصبح مع كوفيد- 19 أمنية الملايين، التى يبدو تحقُّقها بعيدًا.