قال الدكتور محسن توفيق، مندوب مصر الدائم لدى «يونسكو» سابقًا، منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم، إن الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، يرى فى تركيا امتدادًا للخلافة الإسلامية، وفى نفسه خليفة جديدا للمسلمين، مؤكدًا أنه بقرار تحويل متحف «آيا صوفيا» إلى مسجد، فإنه بذلك يدغدغ مشاعر المسلمين فى العالم أجمع.
وخلال حوار لـ«المصرى اليوم»، أضاف «توفيق»- الذى يعمل حاليًا أستاذًا بجامعة عين شمس- أن «يونسكو» لا تملك فى مواجهة قرار الرئيس التركى، سوى رفع المتحف الذى يعد مكانًا للحكمة المقدسة من قائمة التراث العالمى، لافتًا إلى أن الطريق الدائرى الممتد إلى أكتوبر كاد يهدد برفع منطقة أهرامات الجيزة كاملة والتى تمتد إلى دهشور من القائمة، لولا التدخل وقتها والبعد عن الحرم الآمن للمنطقة والذى حددته لجنة التراث العالمى عند تسجيل الموقع.
وأشار «توفيق» إلى أن تسجيل أى موقع فى أى دولة ضمن قائمة التراث الثقافى أو الطبيعى العالمى من قبل «يونسكو» هو فى المقام الأول شرف كبير لأى دولة، لأنه يعنى أن هذا الموقع الوطنى فى هذه الدولة تم الاعتراف به من خلال معايير صارمة، بالتالى فإنه يشكل جزءًا من التراث الإنسانى العالمى، موضحًا أن أمريكا اتخذت موقف العداء مع المنظمة منذ القبول بعضوية فلسطين بها، وتبعتها فى ذلك إسرائيل، وزادت العلاقات سوءًا مع تسجيل العديد من المواقع الفلسطينية فى قائمة التراث العالمى.. وإلى نص الحوار:
■ كيف نظرت إلى خطوة الرئيس التركى أردوغان بتحويل متحف «آيا صوفيا» إلى مسجد؟
- لم تصبنا الدهشة كثيرًا، لأن هذا يعد جزءًا من نظرة رجب طيب أردوغان الحالية لتركيا كامتداد للخلافة ولنفسه كخليفة جديد للمسلمين.. لقد وقّع منذ أيام مرسومًا يأمر بتسليم مجمع «آيا صوفيا» التاريخى فى إسطنبول إلى السلطة الدينية فى البلاد وإعادة فتحه أمام المسلمين للصلاة، ونشر مرسومه عبر موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعى مع عبارة «تهانينا» بعد فترة تزيد قليلًا على الساعة من إلغاء المحكمة الإدارية التركية العليا مرسوما صدر فى 1934 يحول المجمع نفسه إلى متحف.
■ ماذا عن القيمة التاريخية لهذا الموقع؟
- مبنى آيا صوفيا (مكان الحكمة المقدسة) هو بيت عبادة تم بناؤه منذ ما يقرب من 1500 عام فى «القسطنطينية» التى صارت مدينة إسطنبول حاليًا، وقد عمل ككاتدرائية بطريركية مسيحية أرثوذكسية وكاتدرائية رومانية كاثوليكية ومسجد عثمانى ومتحف علمانى.. تم بناء الكاتدرائية المسيحية فى 537 ميلاديًا فى عهد الإمبراطور الرومانى جستينيان الأول، وكانت فى ذلك الوقت أكبر مبنى فى العالم وأول من استخدم قبة معلقة بالكامل، ويعرف المبنى بأنه جوهرة العمارة البيزنطية التى غيّرت تاريخ العمارة على حد قول مؤرخى العمارة.
■ إذن تم استخدامه كدار عبادة لكل من المسيحيين والمسلمين؟
- نعم.. فلقد كان «آيا صوفيا» على مدار 916 عامًا كاتدرائية، وبعد دخول السلطان العثمانى الشهير محمد الفاتح إلى القسطنطينية فى 1453 تحوّل إلى مسجد وظل كذلك لنحو 481 عامًا، ومنذ 1934 أصبح متحفًا يضم تحفًا إسلامية ومسيحية بعد انهيار الخلافة العُثمانية وتحول تركيا للعلمانية على يد أتاتورك.
وفى العموم فإن أردوغان يدغدغ مشاعر المسلمين فى العالم وفى تركيا، خاصة بعد أن دفع مؤيديه إلى ساحة المبنى لإقامة الصلاة حتى قبل افتتاحه لإقامة أول صلاة جمعة فيه يوم 24 يوليو الجارى، ورغم مجاورته الجامع الأزرق أشهر جوامع مدينة إسطنبول.
■ وكيف ترى قوة ردود الفعل العالمى على هذا القرار؟
- كانت هناك ردود فعل من بعض الدول مثل اليونان والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بشكل رسمى، ومن بابا روما ومن الكثير من الهيئات أو الشخصيات الكنسية تم التعبير فيها عن مشاعر متفاوتة تبدأ بإظهار القلق أو الرفض أو التخوف من تداعيات القرار، ونفس الشىء صدر من منظمات إقليمية، مثل البرلمان الأوروبى والاتحاد الأوروبى ومجلس الكنائس العالمى، إلى جانب المنظمات الأممية، مثل «يونسكو».
■ وهل تستطيع «يونسكو» وقف هذا القرار؟
- الإجابة القاطعة هى لا.. لا تستطيع «يونسكو» إيقاف القرار، وهذا ليس خاصًا بها كمنظمة؛ إنما ينطبق على الأمم المتحدة وجميع وكالاتها المتخصصة، إذ إن المجال الوحيد الذى يجبر الدول على تنفيذ القرارات هو ما يقرره مجلس الأمن تحت الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة وفى أمور تهدد الأمن والسلم العالمى.
وإذا تابعنا رد فعل «يونسكو»؛ فسنجد أنه كالمعتاد يبدأ ببيان من المدير العام، وإذا راجعنا بيان مديرة المنظمة الحالية فسنجد أنها تعبر عن الأسف، لأن القرار التركى لم يكن محل نقاش ولا حتى إخطار مسبق للمنظمة، كما وجهت الدعوة إلى السلطات التركية لفتح حوار من دون تأخير لتجنب العودة للوراء فيما يتعلق بالقيمة العالمية لذلك الإرث الاستثنائى والذى سيخضع الحفاظ عليه لمراجعة من لجنة التراث العالمى فى جلستها المقبلة.
■ إذن فمنظمة «يونسكو» عاجزة تمامًا عن أى فعل؟
- كل ما تستطيع فعله هو عرض الموضوع على لجنة التراث العالمى، وأقصى ما تستطيعه رفع «آيا صوفيا» من قائمة التراث العالمى، وهذا أمر مهول لمن يفهم معنى هذا ويقدره.
■ هل حدث مثل ذلك من قبل؟
- لن نذهب بعيدًا.. كاد هذا يحدث معنا فى مصر بعد منتصف التسعينيات عندما تم مد الطريق الدائرى إلى ما يبعد كيلومترات من منطقة الأهرامات فى الجيزة، ولكن الطريق كان قد اخترق الحرم الآمن الذى حددته لجنة التراث العالمى عند تسجيل الموقع، وعلم بهذا الدكتور سعيد ذوالفقار الذى كان يعمل مديرًا بقطاع الثقافة فى «يونسكو»، وقد أبلغنى بعد عودته إلى باريس بأنه حاول وقف العمل بالطريق لكنه فشل فى حل المشكلة على المستوى الوزارى، خاصة بعد أن رفض وزير الإسكان آنذاك، وقف العمل فى المنطقة والذى تكلف حسب قوله أكثر من 50 مليون جنيه، ولم يتخذ مجلس الوزراء أى قرار، واتخذ الدكتور «سعيد» خطوة جبارة بعد أن نشر مقالة عن هذا الموضوع فى صحيفة إندبندنت الإنجليزية وبعدها انتشر خبر الطريق والخطر على منطقة الأهرامات فى العالم كله كالنار فى الهشيم.
■ وماذا كان رد فعل «يونسكو»؟
- أبلغت المنظمة لجنة التراث العالمى التى هددت برفع منطقة أهرامات الجيزة كاملة والتى تمتد إلى دهشور من قائمة التراث العالمى، وهى المنطقة التى تعتبر من عجائب الدنيا السبع، ولو حدث هذا لكان أمرًا مسيئًا للغاية عالميًا إلى سمعة مصر الحضارة صاحبة الأثر.
وقامت الدنيا كلها ولم تقعد وتوتر الموقف إلى أقصى حد، وأصبحت سمعة مصر عالميًا على المحك بعد أن تحول الأمر إلى ما يسىء لمصر بين المفكرين والمثقفين فى العالم وفى الصحافة العالمية وغيرها من وسائل الإعلام المحلية والعالمية.. وهى أيام كنت أعيشها وكأننى فوق صفيح ساخن لا مخرج منه.
■ وكيف تم حل الأمر؟
- لقد هدانى تفكيرى إلى أن أقترح على المدير العام لمنظمة «يونسكو» إرسال خطاب شخصى للرئيس يناشده فيه وقف مد الطريق الدائرى داخل منطقة الحرم الآمن حتى لا يتعرض أثمن أثر للبشرية للدمار والضياع، وأجريت فى نفس الوقت كل ما يمكننى إجراؤه من اتصالات مع المسؤولين فى مصر على أعلى مستوى. وبالفعل نجحت المحاولة وتلقيت التهانى من الزملاء السفراء ومن كل الوفود ومن أمانة المنظمة ومديرها العام وهو ما لم أشهده فى حياتى حتى فرت دموع الفرح من عينى، وبعدها قررت المنظمة منح الرئيس جائزة خاصة لجهده فى الحفاظ على التراث العالمى.
■ وبصفة عامة ما أهمية احتفاظ الدولة بمواقع لها على قائمة التراث العالمى؟
- تسجيل أى موقع فى أى دولة ضمن قائمة التراث الثقافى أو الطبيعى العالمى من قبل «يونسكو» هو فى المقام الأول شرف كبير لأى دولة، لأنه يعنى أن هذا الموقع الوطنى فى هذه الدولة تم الاعتراف به من خلال معايير صارمة، بالتالى فإنه يشكل جزءًا من التراث الإنسانى العالمى.
لقد بدأ هذا البرنامج بناء على «الاتفاقية المتعلقة بحماية التراث العالمى الثقافى والطبيعى»، والتى اعتمدها المؤتمر العام لـ«يونسكو» فى 1972 ومنذ ذلك الحين صدقت 193 دولة على الاتفاقية، ما جعلها واحدة من أكثر الاتفاقيات الدولية المعترف بها على نطاق واسع وأكثر البرامج الثقافية شعبية فى العالم، ويبلغ عدد مواقع التراث العالمى المعتمدة فى 167 دولة، طبقًا لآخر إحصاء فى يونيو الماضى، 1121 موقعًا، منها 869 موقعًا ثقافيًا، و213 موقعًا طبيعيًا، و39 موقعًا مختلطًا.
■ وماهو دور المنظمة بالنسبة لهذه المواقع؟
- تتكون مهمة «يونسكو» من 8 أهداف، تشمل تشجيع التزام البلدان والسكان المحليين بالحفاظ على التراث العالمى بطرق مختلفة، وتقديم المساعدة المالية الطارئة للمواقع المعرضة للخطر، وتقديم المساعدة التقنية والتدريب المهنى، ودعم أنشطة بناء الوعى العام، وهو ما لا يتوافر لدى كثير من الدول صاحبة المواقع، فهى تشكل أيضًا مصدرًا للدخل لهذه الدول من ناحية الجذب السياحى، لذا فإن جميع الدول تجتهد بأقصى ما لديها لتسجيل مواقعها ضمن قائمة التراث العالمى.
■ ما موقف «يونسكو» حاليًا من التراث الفلسطينى ونحن نرى خططًا إسرائيلية لابتلاع الصفة الغربية بالكامل؟
- هناك لحظة فارقة فى تاريخ علاقة فلسطين بهذه المنظمة الأممية، لقد حصلت فلسطين فى 2011 على العضوية الكاملة فى «يونسكو»، خلال التصويت الذى جرى فى مقر المنظمة والذى شاركت فيه 173 دولة من أصل 194 دولة عضوًا بالمنظمة، إذ صوّت لصالح انضمامها 107 أعضاء، فيما عارض 14 عضوًا، وامتنع عن التصويت 52 آخرون، بينهم الولايات المتحدة وإسرائيل، وهناك دول من أوروبا الغربية صوتت لصالحها أيضًا، هى فرنسا، وإسبانيا، وبلجيكا، والنرويج، والنمسا، ولوكسمبرج، وأيرلندا.
وبهذا القرار صار لفلسطين الحق فى أن تتحدث بذاتها وهويتها الوطنية بدلًا من سابق تبنى المجموعة العربية فى «يونسكو» لقرارات التراث فى القدس والضفة الغربية والذى كانت تنفذه مصر عمليًا، لأنها الدولة الوحيدة التى كانت تتفاوض مع إسرائيل فى العلن.
■ وهل تمكنت فلسطين من تسجيل مواقع للتراث باسمها؟
- نعم.. حدث هذا بالفعل، إذ تمكّنت بعد قبول عضويتها وانضمامها لاتفاقية التراث العالمى وحتى العام الماضى من تسجيل 3 مواقع باسمها، وهى (مسقط رأس يسوع: كنيسة المهد وطريق الحج - بيت لحم، وموقع بتير: أرض الزيتون والكروم والمشهد الثقافى لجنوب القدس، والمدينة القديمة بالخليل متضمنة الحرم الإبراهيمى)، وتم تسجيل الموقع الأول كذلك على قائمة التراث المعرض للخطر إلى أن تم رفع وضع الخطر عن الكنيسة مؤخرًا بعد ترميمها. وبالنسبة لمدينة الخليل القديمة والتى كانت إسرائيل تريد تسجيلها باسمها على أنها تراث يهودى، فلقد عقبت إسرائيل على قرار لجنة التراث العالمى التى سجلتها باسم فلسطين، معتبرة إياه «سخيفًا ووصمة عار».
■ ماذا عن موقف مدينة القدس القديمة؟
- سؤال مهم بالفعل.. لقد تم إدراج مدينة القدس القديمة وجدرانها كموقع للتراث العالمى، ولم يتم نسب الموقع لدولة محددة، ولقد صرحت «يونسكو» بأن هذه المدينة مدرجة فى قائمة التراث العالمى، وتواصل المنظمة العمل على ضمان احترام القيمة العالمية البارزة للتراث الثقافى لمدينة البلدة القديمة بالقدس، وتماشيًا مع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، تظل القدس الشرقية جزءًا من الأرض الفلسطينية المحتلة، ويجب حل وضع القدس فى مفاوضات الوضع الدائم، وهو ما أثار هياج إسرائيل وحلفائها.
■ وهل كان ذلك هو السبب فى انسحاب أمريكا وإسرائيل من «يونسكو»؟
- أعتقد أنه منذ ضم فلسطين لعضوية المنظمة، والنية مبيتة لدى الولايات المتحدة بالانسحاب، إذ علّقت واشنطن بعدها مساهماتها المالية فى ميزانية المنظمة، فلقد كانت ترى أن أى خطوة تقوم بها وكالات الأمم المتحدة للاعتراف بفلسطين كدولة يجب أن تناقش فى إطار اتفاق للسلام فى الشرق الأوسط، وازدادت الأمور سوءًا بعد قرارات لجنة التراث العالمى التى ذكرناها، وأدى ذلك فى النهاية إلى إعلان الإدارة الأمريكية أنها أبلغت إيرينا بوكوفا، مدير عام المنظمة، بأنها قررت الانسحاب، وأنها لم تتخذ هذا القرار بسهولة، وهو يعكس قلق الولايات المتحدة تجاه ضرورة إجراء إصلاحات جذرية فى المنظمة، وتجاه استمرار الانحياز ضد إسرائيل فى «يونسكو»، ولقد وصفت «بوكوفا» هذه الانسحاب بأنه «خسارة لعائلة الأمم المتحدة والتعددية، ومدعاة للأسف العميق».
■ وإسرائيل تبِعَت أمريكا فى الانسحاب؟
- يعجبنى تعبير تبعت أمريكا لأننى أعتقد شخصيًا أن إسرائيل لم تكن لتنسحب من المنظمة، لأن وجودها هناك يوفر لها ساحة مجانية للقاء بقية وفود العالم دائمة العضوية بها، لنشر أفكارها والتفاوض معهم أو حتى ابتزازهم، ونفس الشىء مع إدارة «يونسكو».
ولقد وصف نتنياهو قرار واشنطن بأنه «شجاع وأخلاقى لأن يونسكو أصبحت مسرحًا للعبثية، وأنها بدلًا من الحفاظ على التاريخ تقوم بتشويهه». ووصف انحياز المنظمة - على حد قوله، بأنه «مناهض لإسرائيل»، وبالفعل وطبقًا لقواعد المنظمة فلم تعد الدولتان عضوين بها من أول العام الماضى.
■ لكن هذا لم يكن أول انسحاب لأمريكا؟
- هذا صحيح.. فلقد سبق أن انسحبت أمريكا من «يونسكو» خلال حكم ريجان عام 1984، بسبب مزاعم عن سوء الإدارة المالية للمنظمة، والانحياز ضدها فى بعض سياستها، وذلك حين كان مختار أحمدو أمبو، المفكر السنغالى الكبير، مديرًا عاما للمنظمة.
والسبب الحقيقى هو إصدار «يونسكو» قبلها لاستراتيجية عالمية للمعلومات، رأت أمريكا أنها لا تتفق مع أهدافها الخاصة بالسيطرة على العالم فى هذا المجال، وخرجت معها بريطانيا وسنغافورة، وبعد محاولات حثيثة لرأب الصدع، أعلن بوش الابن فى 2002 عودة بلاده إلى المنظمة وعادت بالفعل فى أول العام التالى.. لكن العلاقات تدهورت بعد ذلك بما انتهى بانسحاب أمريكا ومعها إسرائيل.
■ وهل يعقل أن تنسحب أمريكا وإسرائيل من المنظمة الأممية لمجرد الاحتجاج؟
- طبعًا لا يعقل.. فالهدف الأول هو تعجيز المنظمة ماليًا، خاصة أن موارد المنظمة المالية تعتمد بشكل أساسى على مساهمات أعضائها ومعظمهم من الدول النامية التى لا تستطيع الوفاء بشكل دائم بالتزاماتها المالية المحددة لكل دولة طبقًا لمعايير متفق عليها، لذا فإن «يونسكو» تعانى بشكل مزمن من مشكلات فى التمويل، وتحاول درءها عن طريق المنح والهبات والتبرعات وهى فى تناقص مستمر.
■ وما علاقة هذا بأمريكا؟
- مساهمة أمريكا المالية فى ميزانية المنظمة تفوق الـ20٪ وهو رقم لا يستهان به، وعندما انسحبت فى 1984، هى وبريطانيا وسنغافورة وقلت موارد «يونسكو» بنسبة الثلث تقريبًا، كان هذا بدافع انهيار المنظمة واستقالة مديرها العام الذى لا ترضى عنه أمريكا، لكن المنظمة صمدت واستمر «مختار أمبو» إلى نهاية مدته الطبيعية فى 1987.
لقد حضر «أمبو» لمقر المنظمة فى باريس بعد تقاعده بأكثر من 10 سنوات، وكنت هناك وقتها فى مقابلة مع المدير العام، ورأيت ما يمكن أن أسميه استقبالًا تاريخيًا، إذ خرج جميع العاملين من مكاتبهم فى المبنى الرئيسى واصطفوا على الجانبين من أول المدخل، ليتعالى تصفيقهم جميعًا بلا انقطاع؛ بل بكاء بعضهم من التأثر.. ولقد سعدت جدًا بمصافحة هذا الرجل العظيم والتحدث معه.
أمريكا لا تفهم هذا وليس لديها سوى لغة المال، وستصمد «يونسكو» بإذن الله ولن يهزها الابتزاز السياسى الرخيص لإسرائيل ومن معها.