تركيا.. وحلم الدولة العثمانية

علي السيد الأربعاء 28-08-2013 21:10

٩٨٪ من الشعب التركى يدينون بالإسلام، ومع ذلك لا توجد فى دستورهم مادة أو مواد عن «دين الدولة» دون أن يقترب الحزب الحاكم من ذلك. رجب طيب أردوغان لم يقدم للإسلام سوى حجاب زوجته. أردوغان قاوم مثل «الكماليين» أى صلة بين الإسلام وحكم تركيا، لكنه أبقى على الشكل. من مبادئ الحزب الحاكم فى تركيا منع إقامة أحزاب على أساس دينى أو قومى؛ بحجة أن الدين فوق الجميع، معتمدا وبشكل كامل على «العلمانية». حزب أردوغان رأى فشل تجربة نجم الدين أربكان التى اعتمدت على الدين كمرجعية، فقرر التخلص من وجود الدين فى حزبه إلا بما يخدم مسعاه فى السلطة، فالرجل الذى ربما لا يعرف كيف يتوضأ ينتقد الأزهر منارة الإسلام فى كل الدنيا ويهلل له الجهلاء.

بدأت التجربة الأرودغانية، حيث يضع أردوغان رأسه فى الغرب بـ«السياسة الكمالية» العلمانية، بينما قدمه فى الشرق بـ«العثمانية الجديدة». العثمانية تعنى بالنسبة لليمين الدينى عودة «دولة الخلافة»، وبالنسبة للأتراك تعنى عودة الإمبراطورية العثمانية العظمى.. هكذا اعتمد أردوغان على سياسة متعددة الأقنعة ومتنوعة المصالح. يعادى إسرائيل بينما يرتفع التبادل التجارى فى عام قطع العلاقات الدبلوماسية إلى أربعة أضعاف ما كانت عليه. يدافع عن الإسلام وتكون قوته متصدرة المشهد عندما يتحرك الناتو ناحية أى بلد إسلامى «ليبيا وأفغانستان» وقبلهما كانت الطائرات الأمريكية تنطلق من تركيا لتدك العراق فى عام ٢٠٠٣. أردوغان كان صديقا صدوقا لبشار الأسد، حتى إنه ألغى التأشيرات بين البلدين فى عام ٢٠٠٩، ومنحته جامعة حلب الدكتوراه الفخرية لمواقفه البطولية، والآن يتحدث عن أنه مستعد لضرب سوريا دون العودة لمجلس الأمن.

تركيا واحدة من أسوأ دول العالم فى ملف حقوق الإنسان تعذيبا واعتقالا وتمييزا بين الأعراق المختلفة، ويكفى أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أدانت تركيا فيما يقرب من ألفى حكم عن انتهاكات لحقوق الإنسان خلال السنوات العشر الأخيرة، فمن أين تستمد قوتها؟ قوة تركيا تأتى من كون حكومتها «كلب أوروبا» لحراسة البوابة الروسية، ودبّ أمريكا الجاثم على قلب الشرق. أى أن الموقع الجغرافى و«الدجل الأردوغانى» تماهيا مع مصالح أوروبا وأمريكا ضد «روسيا» العدو التقليدى. تركيا بالنسبة للأمريكان قاعدة عسكرية استراتيجية وصمام أمان فى مواجهة روسيا بسبب تحكمها فى المضايق البحرية. الموقع الجغرافى جعل تركيا عضوا فى حلف شمال الأطلسى، فمضيقا البوسفور والدردنيل هما المخرج الوحيد لسفن روسيا القادمة من البحر الأسود، فضلا عن أنهما ممران رئيسيان للسفن الغربية إلى البحر الأسود، وتتحكم تركيا فى الممرين وفقا لاتفاقية مونتروا ١٩٣٦. الموقع أيضا جعل تركيا تحصل على صفة «دولة مرشحة للاتحاد الأوروبى» عام ١٩٩٩، وبدأت المفاوضات عام ٢٠٠٤، لكن ملف حقوق الإنسان كان حائلا دون الحصول على «عضوية أوروبا».

فشل تركيا فى الحصول على «عضوية أوروبا» جعلها تفتش فى دفاترها القديمة، وفقا لفكر وزير خارجيتها أحمد داوود أوغلو، والعودة إلى «العثمانية» مع ترك الباب مفتوحا على مصراعيه مع أوروبا. نجحت الأردوغانية اقتصاديا بعد التحول إلى اقتصاد السوق وتهيئة المناخ للاستثمار، خصوصا للعرب، ودعم الصناعة والسياحة والزراعة، فضلا عن تحويلات الأتراك فى الخارج. سياسة «السمسار» جعلت تركيا تنجح اقتصاديا من حيث بيع منتجاتها.

حين وصل حزب الحرية والعدالة لحكم تركيا كان همه الأول إبعاد الجيش والمحكمة الدستورية عن المشهد السياسى بشكل كامل، لكنه لم يهتم بأى شىء له علاقة بالإسلام. أردوغان من هذه الناحية تعامل معنا ومع شعبه أيضا، مثلما تعاملت السينما الهندية، حين كانت تجعل أحد أبطالها ينطق بالشهادتين فتضج القاعات العربية بالتصفيق، كأن الإسلام انتصر على أعدائه، والحقيقة أن السينما الهندية اخترقت العقول العربية لسنوات، تماما كالدراما التركية. فأردوغان الذى يحرص على مظهر «الرجل المحافظ» نشطت فى عهده «تجارة الدعارة»، واعتبرت تركيا واحدة من المحطات الرئيسية للدعارة فى العالم؛ حيث تروج لها وتنقلها من وإلى أوروبا والمنطقة العربية، فضلا عن أنها مركز نشط لـ «سياحة الدعارة»، وفقا لكثير من تقارير منظمات حقوق الإنسان. أيضا تعد تركيا من أكثر بلدان العالم قمعا للصحفيين؛ حيث يتم سجنهم لمدد طويلة قبل تقديمهم للمحاكمة، وأحيانا يظلون فى السجن بلا محاكمة. أردوغان جعل العالم العربى شريكا صوريا وسوقا للمنتجات التركية التى راجت فى كل بلاد العرب، بحجاب زوجته، وفى الوقت نفسه غازل أوروبا بعلمانية تركيا.

جُنّ أردوغان لما جرى فى مصر؛ لأن ٣ يوليو أجهض مشروع «العثمانية الأردوغانية»، فراح يهلوس ويتحدث عن قصص وهمية. أردوغان يقطر حقدا وكرها لمصر جيشا وشعبا وأزهر. كارثة ٣٠ يونيو أنه فضح مخططات صهيونية وأمريكية وعثمانية، وحطم على صخرة المصريين الكثير من الأحلام الاستعمارية الجديدة.