واقعة «10 يونيو» لم تمر.. غضب أوروبي بسبب تهريب السلاح التركي إلى ليبيا (تقرير)

وزراء خارجية أوروبا يبحثون عقوبات على أنقرة بعد التحرش بسفن تفتيش فرنسية
كتب: وكالات الثلاثاء 07-07-2020 21:45

يفتقر الرئيس التركي رجب أردوغان إلى وضوح الرؤية في سياسته الخارجية، فلا يكاد يخرج من أزمة حتى يتورط في أخرى، فبعد أيام من الخسارة التي منيت بها قواته في قاعدة الوطية غرب ليبيا، يجد نفسه اليوم في مواجهة حلفاء الناتو الغاضبين من تصرفاته.

كانت الواقعة التي حدثت بين سفن بحرية فرنسية وتركية في البحر المتوسط يونيو الماضي القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لفرنسا، لكن أردوغان اعتبرها «مجرد سوء تفاهم»، أما حلف شمال الأطلسي فقد تكون نقطة تحول بالنسبة له، حسب «رويترز».

تطورت الواقعة سريعا في شرق البحر المتوسط 10 يونيو، عندما حاولت فرقاطة فرنسية تحت قيادة حلف شمال الأطلسي تفتيش سفينة شحن ترفع علم تنزانيا للاشتباه في تهريبها السلاح إلى المليشيات الإرهابية في ليبيا، في انتهاك لحظر سلاح تفرضه الأمم المتحدة.

وقالت وزارة القوات المسلحة الفرنسية، متحدثة نيابة عن الحكومة، إن 3 سفن تابعة للبحرية التركية ترافق سفينة الشحن تحرشت بالفرقاطة. وأضافت أن سفينة تركية أضاءت أنوار رادارها وارتدى طاقمها سترات واقية من الرصاص ووقفوا يشهرون أسلحتهم الخفيفة.

وكالعادة، رفض أردوغان تصريحات المسؤولين الفرنسيين، ونفت أنقرة تهريب السلاح إلى ليبيا، معتبرة أن سفينة الشحن «جيركين» كانت «تنقل مساعدات إنسانية»، كما راحت تتهم البحرية الفرنسية بـ«ممارسة سلوك عدواني».

والمفارقة أن السفير التركي لدى فرنسا، إسماعيل حقي موسى، قال في تصريحات مطلع يوليو، إن السفن الحربية التركية الثلاث «كانت تساعد حلف شمال الأطلسي على تطبيق حظر السلاح الذي تفرضه الأمم المتحدة في ليبيا».

من جهته، أمر حلف الأطلسي بفتح تحقيق لكن فحواه سرية، ولم يعلق الحلف على نتائجه. وقال دبلوماسيان أوروبيان لـ«رويترز» إن فرنسا بعثت برسالة للأمين العام لحلف الأطلسي، ينس ستولتنبرج، في أوائل يوليو تقول فيها إن التقرير «لم يثبت الحقائق بشكل صحيح».

ورفضت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) التعليق على الواقعة. وبالنسبة لفرنسا، تلقي الواقعة الضوء على ما يرى العديد من أعضاء الحلف أنه ميل لدى الرئيس التركي، رجب أردوغان، للعمل ضد مصالح الحلفاء الأوروبيين وقيمهم.

تصدعات

قال 4 دبلوماسيين ومسؤولين لـ«رويترز» إنه بعد سلسلة من الخلافات بشأن وقائع تتراوح من شراء تركيا لأسلحة من روسيا إلى تنقيبها عن الغاز قرب قبرص، خلصت فرنسا إلى أن الاشتباه في تهريب أنقرة السلاح لليبيا أخطر من أن يجري تجاهله.

وقال دبلوماسيون إن فرنسا علقت مشاركتها في بعثة الحلف في البحر المتوسط «سي جارديان»، وعرضت بدلا من ذلك أصولها على بعثة للاتحاد الأوروبي لتعمل على التأكد من تنفيذ حظر السلاح الذي تفرضه الأمم المتحدة، لكن لا تشمل سفنا تركية.

وقال مسؤول من وزارة القوات المسلحة الفرنسية، طلب عدم نشر اسمه بسبب حساسية الأمر: «ماذا تفعل عندما يكون لديك مهمة تفتيش تابعة لحلف شمال الأطلسي.. وأحد أعضاء الحلف هو من يقوم بالتهريب، وهو يقول إنه ينفذ الحظر؟»

ويقول دبلوماسيون إن الولايات المتحدة، المستاءة من شراء تركيا لمنظومة صواريخ «إس 400» الروسية ومن عملياتها العسكرية في سوريا، تسعى لتهدئة التوتر داخل الحلف.

وفي أكتوبر الماضي، قال وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، إن تركيا «تسير في الاتجاه الخاطئ». وحث الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي تربطه علاقات وثيقة مع أردوغان، تركيا في مايو على المساعدة في تخفيف التصعيد في الصراع الدائر في ليبيا.

وقال متحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، اللفتنانت كولونيل توماس كامبل، إن البنتاجون «يسعى جاهدا للحفاظ على علاقاتنا مع تركيا في حين يحث الحكومة التركية على انتهاج سياسات بناءة بدرجة أكبر فيما يتعلق بمنظومة صواريخ إس 400 وأسباب الخلاف الأخرى».

المطالب الفرنسية

قالت وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورنس بارلي، 2 يوليو، إن على الحلف أن يحمل أنقرة على إدراك إنها ليس بإمكانها «انتهاك» قواعد الحلف. لكن دبلوماسيين فرنسيين يقولون إن فرنسا لا تتطلع إلى طرد تركيا، وليس لدى الحلف آلية رسمية لمعاقبة الأعضاء أو طردهم.

ومع ذلك، فإن بإمكان الحلف تهديد تركيا بسحب أصول منها مثل رادار أو صواريخ باتريوت أو طائرات نظام الإنذار المبكر والتحكم التابعة له. ويريد وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لو دريان، من نظرائه في الاتحاد الأوروبي دراسة فرض عقوبات على أنقرة أثناء اجتماع عبر الفيديو يوم 13 يوليو.

وقال مارك بيريني، وهو سفير سابق للاتحاد الأوروبي لدى تركيا، ويعمل في مركز دراسات كارنيجي أوروبا: «المشكلة الرئيسية بالنسبة للاتحاد الأوروبي هي روسيا. وتناقض تركيا، التي تضع قدما في كل معسكر، هو العامل المثير للقلق».

وقال السفير التركي في فرنسا: «تخيلوا الحلف بدون تركيا! لن يكون هناك حلف»، فيما طلبت فرنسا 4 طلبات ملموسة من الحلف في رسالتها إلى ستولتنبرج في يوليو.

وتريد فرنسا من أعضاء الحلف، وعددهم 30، أن يجددوا التزامهم باحترام حظر السلاح الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا، وضمان ألا تستخدم لافتات الحلف خلال البعثات الوطنية، وتحسين التنسيق بين بعثات الحلف وبعثات الاتحاد الأوروبي في البحر المتوسط، وتجنب وقوع أحداث مماثلة في المستقبل.

وفي أحدث اجتماع لوزراء دفاع حلف الأطلسي الذي عقد عبر الفيديو في أواخر يونيو، أيدت 8 دول، منها ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، السعي لنهج أكثر تعاونا من تركيا. ويشير دبلوماسيون فرنسيون إلى توقيع تركيا على خطة دفاع للحلف لدول البلطيق وبولندا بعد تعطيلها لشهور باعتباره أول إشارة على النجاح.

لكن محللون يقولون إن هناك خطر حدوث انقسام طويل الأمد داخل الحلف إذا لم تغير تركيا مسارها. وقال «بيريني»: «تركيا تعتبر نفسها كبيرة بما يكفي الآن لأن تظل مستقلة عن جميع الأطراف».