«ما الوطنُ إلا حفنةٌ من ترابٍ عفِن»! «طظّ فى مصر»! «لا وطنية فى الإسلام»! فى تلك العبارات الثلاث، يكمن تفسيرُ كل ما يحدث الآن فى مصرَ، من حرق وتفجير وقتل وترويع آمنين، واستيراد إرهابيين من الخارج لمساعدة إرهابيى الداخل ليكون الدمارُ شاملاً.
الأولى قالها عرّابُ الإخوان «سيد قطب»، والثانية قالها «مهدى عاكف» مرشد الإخوان السابق، أما الثالثة فقالها مؤسس الجماعة عام 1928، «حسن البنّا».
مع تلك الأقوال، يسقط السؤالُ الحائر داخل عقول المصريين: «كيف هانت مصرُ عليهم؟!» بل يسقط أشهر سؤال شِعرىّ: «إنّى لأعجبُ كيف يُمكنُ أن يخونَ الخائنونْ!/ أيخونُ إنسانٌ بلادَه؟!/ إنْ خانَ معنى أن يكونْ/ فكيف يمكنُ أنْ يكونْ؟»
لا يجوز أن نعاتبَ الإخوان إن خانوا مصر، ولا أن نتعجّب مع «بدر شاكر السيّاب»: «أيخونُ إنسانٌ بلادَه؟!»، لأن الإخوان لا وطنَ لهم. الوطن عندهم هو جدرانُ مكتب الإرشاد، وصالحُ الوطن هو «صالحُ الجماعة». الإخوانُ سجناءُ فعليون، يستحقون الشفقة. سجناءُ «أدبيات الإخوان» التى علّمتهم من طفولتهم أن المرشد هو ربّ البيت، وربّ الوطن، وربّ الفكر. يبصرون عبر عينيه، ويسمعون عبر أذنيه. يسيرون على قضيبى: «السمع والطاعة»، كما القطارُ يسير على قضيبى حديد. فإن «فكّر» القطار أن يُبدع ويتحرر من أسر القضيبين، انقلب.
يتفق ذلك النهج التبعىّ مع قاعدة حسن البنا الأولى: «الأخُّ بين يدى مرشده، كالميّتِ بين يدى مُغسّله. يُقلِّبُه كيف شاء ذات اليمين وذات اليسار. فليدعْ الواحدُ منكم رأيَه، وليُطِعْ مرشدَه؛ مخطئًا أو مُصيبًا. فإن خطأَ المرشدِ أنفعُ من صوابك». لهذا لا نندهش من اغتيال الأبناء الذين تجاسروا وفكّروا، فأنكروا قرارًا من قرارات المرشد، مثل «السيد فايز»، الذى أرسل له المرشدُ علبة حلوى المولد عام 1954، فانفجرت فى وجهه، بعدما انتقد المرشد. ولا نندهش من دموع المرشد فى حفل تأبينه. فقد قتله «حبًّا فيه»، لكيلا يرتكبَ مزيدًا من الآثام، بعدما تبيّن أنه ذو عقل «يفكر» ويرفض، وهو ما يناقض نهجَ الجماعة.
فإن قال المرشدُ لأتباعه ومريديه إن فى حرق مصر فائدةً للجماعة، سيطيع الأبناءُ وهم يحسبون أنهم يُحسنون صُنعا. وإن أخبرهم أن قتلَ معارضى الجماعة خيرٌ، فورًا سيُكبّرون ويذبحون، ثم يتوضأون ويُصلّون وهم واثقون فى الجنة جزاءً وفاقًا لطاعتهم المرشد، الذى فى طاعته طاعةٌ لله. ولكن، تُرى، ماذا قال الله فى الوطن؟ قال: «ولو أنّا كتبنا عليهم أنِ اقتُلوا أنفسَكم، أو اخرجوا من ديارِكم، ما فعلوه». لقد ساوى اللهُ تعالى بين هجْر الوطن، وبين قتْل النفس.
لا تنتظروا أن يحبّ الإخوانُ «حفنةً من التراب العفن».