استرداد الدول حقوقها لا يتوقف عند العنف والدفاع المسلح، بل ربما تتحول لعبة السياسية إلى القصف الاقتصادي، تلك الطريقة التي سعت بها دولة الهند التصرف مع الصين، بعدما نتج اشتباك حدودي بين الدولتين ناجمًا عنه مقتل حوالي ٢٠ جندي هندي وعدد من الضحايا الصينيين، الأيام الماضية.
لذا تقرر الدولة الأولى شن الهجوم على الثانية، بإعلان امتناعها عن استعمال ما يقرب من ٦٠ تطبيقًا، من بينهم تطبيق «TikTok» و«WeChat»، بعلة تهديدهم للأمن القومي الهندي.. وأكدت وزارة الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات في الهند، خلال بيان، أن قرارها يرجع إلى سرقة تلك التطبيقات الصينية لبيانات المُستخدمين بطريقة غير مُصرح بها ونقلها خارج الهند، من قبل عناصر معادية للأمن القومي، الأمر الذي وجدته الهند يهدد سلامتها، لذا قررت إتخاذ الإجراءات الطارئة.
ووفقًا للموقع الإخباري. للصحيفة الأمريكية «نيويورك تايمز»، فأن تراجع قوة السلاح العسكري والاقتصادي للهند أمام الصين، دفع الهند إلى استعمال وسيلتها التي تمتلكها، وهي كون سكانها يشكلون الغالبية العظمى من جمهور «تيك توك» ويحتل شعبها المراكز الأولى في استخدام باقي التطبيقات الصينية، إذ إن نصف سكان الهند البالغ أعدادهم ١.٣ مليار نسمة يستخدمون الإنترنت. لكن لم توضح السلطات الهندية موعد التوقف النهائي عن استعمال التطبيقات داخل حدودها.
وهي المرة الأولى التي تلجأ فيها الهند إلى حظر العديد من التطبيقات لدولة ثانية، وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها حظر التطبيقات الصينية في الهند، ففي عام 2017، خضع متصفح «Alibaba's UC Browser» للفحص الدقيق بسبب تسريب بيانات الهاتف المحمول للمستخدمين الهنود. وفي ذلك العام، طلبت وزارة الدفاع الهندية من جميع الأفراد المسلحين والضباط إلغاء 42 تطبيقًا صينيًا صنفته على أنه «برامج تجسس».
في المقابل، كشف موقع «CNN»، بنسخته الإنجليزية، أن تطبيق «تيك توك» لم يعلن عن أي إجراءات جديدة بعد إطلاق البيان، وقال الناطق الرسمي للتطبيق، الذي يحقق أرباح متزايدة من الهند التي تأتي في المركز الثاني بين الدول المستخدمة للتطبيق، أنهم يسعون للالتزام بالعمل مع الحكومة لإثبات التفاني في توفير الأمن للمستخدمين والالتزام ناحية الدولة بشكل عام، في حين لم ترد الصين على قرار الهند حتى يومنا الحالي.
ويعد «تيك توك»، من بين أبرز التطبيقات المحظورة بالهند، تطبيق صيني يرتكز على الرقص مع تحريك الشفاه للغناء، انطلق 2014، وخلال عام وصل أعداد المستخدمين للـ«تيك توك» إلى 100 مليون، ووصلت نسب تحميل التطبيق في بداية يوليو 2019 عبر متجر «Google Play» إلى 500 مليون عملية تنزيل، وفي نوفمبر الماضي، أعلن الموقع الإلكتروني للصحيفة الرقمية الأمريكية «businessinsider»، تحقيق التطبيق مليار عملية تنزيل على المتجر «Google Play».
وماذا عن الاشتباك بين الهند والصين.. هل تكرر من قبل؟
وقع الاشتباك بين الطرفين الهندي والصيني، الشهر الجاري، على الحدود الصينية والهندية، بوادي جلوان الحدودي مع بكين، وأعلن الجيش الهندي، عن ضحايا «من الجانبين» لكن الصين لم تشر إلى أي قتلى أو جرحى، موجّهة للهند أصابع الاتهام في تجاوز الحدود المُتنازع عليها «واستفزاز ومهاجمة عناصر صينيين ما أدى إلى مواجهة جسدية خطيرة بين قوات الحدود على الجانبين»، بحسب رويترز.
ويأتي ذلك في أعقاب أسابيع من التوترات، ونشر تعزيزات بآلاف الجنود من الجانبين، ومحادثات عسكرية وسياسية أعقبت مناوشات حدودية في ولاية لداخ المرتفعة، شمالي الهند. وفي 7 يونيو الجاري، أعلنت الهند عن توافق مع الصين على ضرورة حل الأزمة الحدودية «سلميًا».
في 5 مايو الماضي، اشتبك الجنود الهنود والصينيون بالقرب من بحيرة «بانجونج تسو» الواقعة في منطقة لاداخ بجبال الهيمالايا، فيما يُعتقد أن سبب المناوشات يعود إلى اعتراض جيش التحرير الشعبي على الدوريات العسكرية الهندية في المنطقة. وفي 9 مايو، تشاجر الجانبان في منطقة ناكولا بالقرب من التبت، وألقيا الحجارة على بعضهما البعض في محاولات لدفع القوات الهندية إلى التراجع عن المناطق التي كانوا يحرسونها.
لم تُستخدم أسلحة لكن أُصيب عشرات الجنود، من ضمنهم ضابط هندي كبير. ولم يعلق سلاح الجو الهندي رسميًا على ذلك الحادث، في الوقت الذي تحظر فيها حركة الطائرات المقاتلة بالقرب من خط السيطرة الفعلي بموجب الاتفاقية الثنائية. وفي الأسابيع التالية للحادث، حشد كلا البلدين للقوات والأسلحة لتأكيد المطالب الإقليمية في المناطق الحدودية المتنازع عليها في جبال الهيمالايا، ونشرت الصين
عدة آلاف من المظليين والمركبات المدرعة في المناطق المرتفعة على حدود هضبة التبت.
ما هي المناطق الحدودية المُتنازع عليها بين البلدين؟
امتد النزاع بين الدولتين النوويتين لعقود، وشملت مناطق النزاع هضبة أروناتشال براديش، وهي منطقة حدودية، تقع عند مفترق طرق بين الصين ومملكة بوتان الجنوب أسيوية، وولاية سيكيم، شمال شرق الهند. تطلق بوتان والهند على المنطقة اسم هضبة «دوكلام»، في حين تُسميها الصين «جنوب التبت»، وتُصر على أنها جزء من أراضيها، وتدعم الهند مطالب بوتان بالسيادة على المنطقة، وتقول إن بكين تحتل أجزاء كبيرة منها.
والبقعة الثانية منطقة أكساي تشين، ويتنازع الطرفين عليها، تقع غرب جبال الهيمالايا، تبلغ مساحتها حوالي 38 ألف كيلومتر مربع، وهي خالية من السكان تقريبًا، وتحتوي على العديد من البحيرات الملحية، وتخضع المنطقة لسيطرة الصين التي تعتبرها جزءا من إقليم شنجيانج، وما تزال الهند تطالب بالمنطقة وتعتبرها جزءا من منطقة لاداخ الواقعة في إقليم جامو وكشمير.
تدخلات «ترامب» سعيًا وراء حل النزاع
في 27 مايو، حاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التدخل بين البلدين، مُعلنًا الوساطة في المناطق الحدودية المُتنازع عليها بين الصين والهند في الهيمالايا. وغرّد وقتذاك عبر «تويتر»: «أبلغنا الهند والصين بأن الولايات المتحدة جاهزة ومستعدة وقادرة على القيام بوساطة أو لعب دور الحكم في الخلاف الحدودي المشتعل حاليا بينهما».
لكن يبدو أن الطرفين رفضا العرض؛ إذ قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية زهاو ليجيان، إن البلدين لا يريدان «تدخل» طرف ثالث لحل خلافاتهما. فيما أوضح وزير الخارجية الهندي هارش فاردان شرينجلا، أن بلاده «تعمل مع الجانب الصينى لحل هذه القضية سلميًا»، مُضيفًا أن «القوات الهندية اتخذت أسلوبا مسؤولا تجاه إدارة الحدود ومتابعة البروتوكولات».