النيابة حول قتل امرأة طفلتيها: السعادة ليست فى القصور

كتب: أحمد شلبي الإثنين 29-06-2020 01:06

بعيدًا عن التشريعات والقوانين الجنائية واهتماما بالنواحى الإنسانية والاجتماعية، نشرت النيابة العامة بيانا، أمس، تعليقا على التحقيقات التي تجريها في واقعة قتل امرأة طفلتيها عمدًا ببهتيم، إذ تضمن البيان معلومات وإشارات ومناشدات إنسانية أكثر من كونها قانونية جنائية.

وقالت النيابة إنها تلقت إخطارًا يوم 24 يونيو الجارى بوصول طفلتين- إحداهما تبلغ ست سنوات وشقيقتها سبع سنوات- إلى مستشفى بهتيم متوفيتين، وفى وفاتهما شُبهة جنائية لوجود سحجات برقبتيهما وآثار تجمعات دموية أسفل الذقن والجلد وزرقة في الشفاة، فانتقلت لمناظرة جثمانيهما وانتدبت الطبيب الشرعى لتوقيع الصفة التشريحية عليهما، وكلفت الشرطة بإجراء التحريات حول وفاتهما.

وتبين من التحريات أن والدة الطفلتين ارتكبت واقعة قتلهما إزاء سوء العلاقة بينها وبين زوجها، ما دفعها إلى قتلهما ثم الإقدام على الانتحار خلاصًا منه، فألقى القبض عليها وعرضت على النيابة العامة لاستجوابها.

وأقرت الأم المتهمة في تحقيقات «النيابة العامة» بسوء العلاقة بينها وبين زوجها منذ عقد قرانهما، وتضييقه عليها وسعيه الدائم للحَدِّ من علاقاتها، وعلى إثر وفاة نجلٍ لهما منذ أربعين يومًا لمرض أصابه- على حد قولها- احتدت العلاقة بينهما وحاولت الانتحار أكثر من مرة ومنعتها والدتها، حتى جاء يوم الواقعة فبدرت إليها فكرة قتل ابنتيها ثم انتحارها خلاصًا من زوجها وتخليصًا لابنتيها من قسوته بعد وفاتهما على حدِّ ظنها، فلما اختلت بهما بعد ذهاب أبيهما للعمل، عقدت عزمها على قتلهما، فخنقتهما بيديها، ثم تظاهرت لاحقًا أمام أهل زوجها بمفاجأتها بالواقعة، مدعية عدم إقدامها على الانتحار بعد وفاتهما لحيرتها في وسيلة الانتحار، وقد أكدت التحقيقات معها سلامةَ قُواها العقلية وعدم تعاطيها أي مخدِّرات أو عقاقير تؤثر في إرادتها خلال ارتكاب الواقعة.

وأمرت النيابة العامة بحبس المتهمة احتياطيًّا على ذمة التحقيقات، وعاينت مسرح الحادث، وسألت زوج المتهمة الذي أكد اتهامه لها بقتل ابنتيهما، مُشيرًا إلى أنه لم يكن يسمح لها بالخروج، وكان يحدُّ من علاقاتها غيرةً عليها.

وجاء في بيان النيابة: «النيابة العامة وإن كانت تستنكر تلك الجريمة البشعة التي انتفت فيها لدى مرتكبتها كل معانى الإنسانية، بل شذَّت حتى عن غرائز عاطفة الأمومة في الطبيعة الحيوانية، إلا أنها تشير إلى لزوم النظر في الباعث إلى ارتكابها وارتكاب جرائم أخرى باشرت النيابة التحقيق فيها خلال الفترة الأخيرة، ألا وهى سوء العلاقة الزوجية، ففى ذلك الصدد تُشير النيابة العامة إلى أن الأمراض الزوجية هي علة العلل في حياتنا الاجتماعية، وأن تلك الحياة قوامها الرجل والمرأة، فإذا تمت لهما معًا معانى الإنسانية تمت هذه الحياة، وبدت في أبهى صورها كاملة في كل وجوهها، ماضية في طريقها، تؤدى مُهمتها كما ينبغى أن تكون، فإذا أصاب هذه المعانى شىء من النقص في ناحيةٍ ما، شُوِّهت هذه الحياة، وأصبحت قبيحةً ملعونة، يزول أساس السعادة منها، وتختفى معالم الإنسانية فيها، وتأخذ الحوادث في زلزلتها حتى تنهار بأكملها، والحياة السعيدة في سعادة الرجل وزوجه، لا في قصور ولا متاع ولا زينة، وأن السعادة قد تَفرُّ من قصر شامخ إلى كوخ فقير تملؤه حياة صحيحة بين زوجين، وأسس تلك السعادة والحياة الثابتة هي التسامح والتعاون وتقدير الواجب وحُسن وزن الأمور ومناسبتها، فكل ذلك له بالغ الأثر في الرابطة الزوجية، ولهذه الرابطة بالغ الأثر في حياة سائر الإنسانية».