مظلومية الإخوان وحقوقهم وواجباتهم

عمار علي حسن الخميس 01-08-2013 22:33

هناك قضيتان غائبتان عن النقاش العام حول الإخوان وما يفعلونه فى الوقت الراهن، وإن تطرق إليهما البعض فيكون ورودهما على استحياء وبشكل عابر، ألا وهما قضية «صناعة المظلومية» وقضية «الفصام الإخوانى حيال الحقوق والواجبات».

وبالنسبة للقضية الأولى، فما يفعله الإخوان الآن لا يزيد عن خلق «مظلومية جديدة» يسوقونها هذه المرة إلى العالم بأسره، بعد أن سوقوها فى مصر عقودا من الزمن، واستعطفوا بها الناس، فصمتوا عن سرقتهم لثورة يناير العظيمة، وصوتوا لهم فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية وأعطوهم السلطان كاملا.

يدرك قادة الإخوان المعتصمين فى تقاطع رابعة بمدينة نصر أو أمام جامعة القاهرة أن عودة محمد مرسى إلى الحكم مستحيلة، ولا سيما بعد أن خرج عشرات الملايين من المصريين يوم 26 يوليو ليفوضوا الجيش فى التصدى لكل من يرتكب فعلا إرهابيا، لكنهم يحشدون أنصارهم، ويلحون على تواجدهم الدائم، ليصنعوا بهم المظلومية، التى تنطوى على «بكاء على أطلال السلطة» و«استعادة الشعور بالاضطهاد» وممارسة «المازوخية السياسية» فى حدها الأقصى، والحديث عن «مؤامرة» عليهم، مع أن أول من تآمر على مرسى هو مكتب إرشاد الجماعة، الذى قيده وسيره كيفما شاء، وأبعده عن أن يكون رئيسيا لكل المصريين لتبقيه مجرد «الأخ مرسى مسؤول شعبة الرئاسة»، ومع أن الإخوان نسجوا خيوط المؤامرة على الكل منذ تنحى مبارك، وتصوروا أنهم سيخدعون الجميع إلى النهاية، ويحصلون على كل شىء، وكانوا أداة لمؤامرة أمريكية كاملة على بلادنا وبلاد العرب أجمعين.

وهذه المرة لا يخاطب الإخوان الداخل فقط، بل يصدرون المظلومية إلى الخارج لينقذوا تنظيمهم الدولى حتى لو جرى الدم أنهارا. وهذا هو بيت القصيد من كل ما يفعلونه الآن، ويستخدمون فيه كل الوسائل حتى لو تحالفوا مع الشيطان.

وبالنسبة للقضية الثانية أقول بوضوح إننى قبل ثورة يناير 2011، كنت من المدافعين بوضوح عن حق الإخوان فى «الشرعية السياسية» عبر السماح لهم بتشكيل «حزب سياسى» ومن الرافضين لتحويل المدنيين منهم إلى «محاكم عسكرية» والمتعاملين معهم كمواطنين لهم كافة حقوق المواطنة، من دون تهميش ولا تمييز ولا نبذ. وكثير من منظمات حقوق الإنسان كانت تفعل هذا بوضوح ومن دون مواربة كجزء من مهمتها. ونظرا لأن الإخوان كانوا فى المعارضة والملاحقة لم يقف أحد ليسأل نفسه: هذه حقوقهم فأين واجباتهم؟.

وبعد الثورة وحيازتهم حزبا سياسيا وأغلبية فى البرلمان وفوز أحدهم بمنصب رئيس الجمهورية أخذوا كل الحقوق، لكن أحدا أيضا لم يسألهم عن الواجبات. وبعد أن أزيحوا عن السلطة بفعل انتفاضة شعبية عارمة انحاز لها الجيش، راحوا يطلبون الحقوق، حق التظاهر، وحق الحصول على التقاضى العادل، وحق التعبير عن الرأى، وحرمة الدم... إلخ. وبالقطع، فكثيرون معهم فى كل هذه الحقوق، لكن آن الأوان أن يسألهم الجميع عن واجباتهم حيال الدولة التى يعيشون فيها: فهل هم يؤمنون بها؟ هل مصر بالنسبة لهم وطن أم مجرد سكن؟ دولة مقر أم دولة ممر؟ وأين موقعها فى مشروعهم الوهمى حول «أستاذية العالم»؟ هل يأخذون من أموالها، ويضعون فى أموال تنظيمهم الدولى، أم يفعلون كغيرهم من المصريين الساعين وراء الرزق فى مشارق الأرض ومغاربها، ويحولون أموالهم إلى مصر؟ وهل ولاؤهم الأول لبلدهم أم «طز فى مصر»؟ وكيف يرون المصريين: هل هم شعب يعيش فى جاهلية كما يقول سيد قطب الذى يؤمنون بأفكاره، وبالتالى يكون الإخوانى من بنجلاديش أقرب إلى الإخوانى المصرى من جاره الذى يشاركه فى جدار البيت؟ وهل يكون من الواجب حيال الوطن أن يطلب الإخوان من الغرب أن يوجه ضربة عسكرية للجيش المصرى؟

وهل من الأخلاق والواجب أيضا أن يهللون فرحا، لأن أحد قادتهم المتطرفين صرخ من على منصة «رابعة العدوية» قائلا: إن البارجات الحربية الأمريكية فى البحر المتوسط تحركت حيال قناة السويس؟ وهل من الواجب أن يرسل الإخوان رسائل على بعض الهواتف المحمولة للجنود الذى حصلوا على أرقامهم يحرضونهم على التمرد ضد الجيش وعدم تنفيذ أوامر قادتهم لأنهم كفار؟ وهل من المقبول أن يجتمع أعضاء فى «التنظيم الدولى للإخوان» وفيهم أعضاء من دول عديدة ليدرس الحال فى مصر ويضع خطة بشأنه بما فيها إطلاق أعمال عنف واستهداف مؤسسات ومن بينها مؤسسات الجيش؟ أليس هذا يضعهم فى الوصف الذى سبق أن أطلقه عليهم المرحوم الشيخ زايد بن سلطان مؤسس دولة الإمارات، وهو «الخوان»؟ وهل لا يزال الإخوان يؤمنون بأن الوطنية وثنية ولا يلزمون أنفسهم حيالها بأى مسؤوليات أو التزامات أو واجبات؟

أعرف أن وظيفة «منظمات حقوق الإنسان» هى أن تدافع عن الحقوق، وهذا مهم وضرورى، وأنا معه، لكن عليها أن تضع فى اعتبارها وهى تفكر، وتعبر، وتدبر شأنها حيال «المسألة الإخوانية» أن الإخوان عليهم واجبات حيال الوطن، وأن تطلب منهم أن يؤدوها وهم يطلبون حقوقهم كاملة، وأن تكتب هذه المنظمات فى تقاريرها الصورة كاملة، فكما أن لكل مصرى حقوقا مصونة فى هذا البلد، فعليه واجبات مفروضة، وهذا أمر لا جدال فيه.

وفى الختام، فإن صناعة المظلومية يريد الإخوان أن يرتبوا بها حقوقا لهم، يقرها الداخل والخارج، لكن لا أحد يسألهم عن واجباتهم حيال مصر، كدولة مستقلة ووطن، وهذا ما يجب أن يلح الجميع عليه من الآن فصاعدا فيقولوا لهم بملء الأفواه: أيها الإخوان، أين واجباتكم حيال بلدكم؟