حظى مسلسل «البرنس» بمشاهدة عالية لملامسته الواقع، ولسرعة أحداثه، ولشهرة عدد كبير من الفنانين، ولكن تعليقى فى هذا المقال سينصب على خاتمة المسلسل، والتى تلخص لنا الرسالة التى أراد القائمون على المسلسل أن يوصلوها للمشاهدين، قال الفنان محمد رمضان فى العبارات الأخيرة: «لما تاخد فى الدنيا على وشك، إوعى تاخد القلم وتسكت وتعديها. حتى لو بعد سنين لازم ترد، والقلم يكون أقوى من اللى أخدته».. هذه العبارة قصيرة ولكنها خطيرة، لأنها تحمل فى طياتها ترسيخ فكرة الانتقام، وأنك لابد أن تأخذ حقك بيدك لا بالقانون، ولك أن ترد الصاع صاعين. وما أبعد الفارق بين مسلسل «البرنس» وبرنامج «المُسامح كريم»، ذلك البَرنامج الاجتماعى الحوارى الذى كان يُبث على قَناة أبوظبى، وَتتلخص فِكرة البرنامج فى أنه يَقوم على أساس التسامح والمحبة وَالترفُّع، وهو عبارة عن جهاد مع الذات، وتحدٍّ للتوفيق بين شخصين فرّق بينهما الزمن وظروف الحياة، حيث يَعمل البرنامج على الجَمع بين شخصين مُتخاصمين لسبب ما من جميع أنحاء الوطن العربى، من أجل لم شملهما من جديد، فهو يجمع أفراد العائلة والأصدقاء ومصالحتهم وتنقية الأجواء بينهم، وإعادة الأمور إلى طبيعتها، وهذا ما يَقوم بِه مُقدم البرنامج الأستاذ جورج قرداحى. إن «العفو عند المقدرة» من مبادئ الأخلاق الكريمة التى تدعو إليها الأديان وأعظمها شأناً، فإن العفو من شيم الكرام، ومن شيم الأقوياء، والقلوب التى تعفو وتصفح، رغم حزنها، هى أجمل القلوب نقاءً وأكثرها محبة للجميع، فلا شك أن العفو عند المقدرة له فوائد عظيمة، فمن ذلك رضا الله، وهو المقصد الأول والمطلوب، وكسب أصدقاء جدد، وثناء الناس وتوقيرهم وإجلالهم لصاحب العفو، وأيضا الراحة النفسية لمن يغفر ويسامح وينسى الإساءة.
والنصوص الدينية تذكر لنا قصة العظيم الذى كان يخاف الله، يوسف بن يعقوب، وماذا صنع به إخوته من شرور ومكائد، ولكن عندما أتته ساعة الانتقام والأخذ بالثأر لم ينتقم منهم، بل عفا عنهم وقال لهم «أنتم نويتم علىَّ شراً والله نوى به خيراً» فالله سبحانه يحول شرور البشر لخير أتقيائه ومحبيه. ويحكى لنا التاريخ قصة البابا يوحنا بولس الذى صفح عن محمد على أغا بعد محاولة اغتياله، ففى 13 مايو 1981 كان البابا يوحنا بولس الثانى يجول فى ساحة القديس بطرس، حينها أقدم مسلح تركى هو محمد على أغا، الذى يوصف بكونه خبيرًا ومتدربًا فى الرماية إلى جانب كونه عضوًا فى «جماعة الذئاب الرمادية الفاشية» وقام بإطلاق النار على البابا باستخدام مسدس براوننج عيار 9 ملم، وقد استقرت الرصاصات فى الأمعاء الغليظة والأمعاء الدقيقة، وقد نقل البابا إلى مستشفى الفاتيكان ثم إلى مستشفى جيميلى فى روما، وخلال طريقه إلى المستشفى فقد البابا الوعى، وخسر كمية كبيرة من الدم، وخضع لعملية جراحية دامت خمس ساعات، لعلاج فقده كمية كبيرة من الدم ولترميم الجروح التى أصيب بها فى البطن، وتم القبض على أغا فور قيامه بالعملية من قبل المحتشدين وحتى وصول الشرطة، وقد حكم عليه بالسجن مدى الحياة؛ وبعد يومين من عيد الميلاد عام 1983 زار البابا يوحنا بولس الثانى أغا فى السجن، وتكلم معه على انفراد لمدة عشرين دقيقة، وقال يوحنا بولس الثانى: «ما تحدثنا عنه يجب أن يبقى سرًا بينى وبينه، تحدثت معه باعتباره شقيق، وقد عفوت له، ولى كامل الثقة فى ذلك». قال محمد على أغا بعد الإفراج عنه: أريد العودة ليوم واحد فقط إلى روما لأصلى على قبر البابا يوحنا بولس الثانى لأعبر له عن امتنانى الشديد لصفحه عنى، إن البابا لم يفعل شيئاً سوى أنه كان يُظهر للعالم قوة المحبة والغفران والتسامح، فإذا كان «البرنس» هو من يسعى للانتقام، فالعظيم هو من يغفر ويسامح ويصنع السلام!!.