أدخلت عليكم السرور والفرح، وهونت عليكم الصعاب، وزدتكم أموالًا وملذاتٍ لا تعد ولا تحصى، ولم أبخل عليكم يومًا بشىءٍ أبدًا، وصنعت لكم طريقًا خاصًّا تفرغون فيه كبت الدنيا وما فيها، فكل شىءٍ كان متاحًا معى، وفتحت لكم كل الأبواب المغلقة، وكنت أتغاضى عن بعض التمردات الغريبة التى كنتم تفعلونها، والتى كنتم تعودون فيها إلى صفوف الصالحين وتصلون وتقرأون القرآن. ولكننى لم أجبر أحدًا على اقتراف المعاصى أو اتباع طريق الهوى، الذى أنهى مسيرتكم إلى التهلكة، إن الله وعدكم وعد الحق، ولكننى وعدتكم بالباطل فاستجبتم لى ولدعوتى، ولكن منكم من رفض واستغفر ومنكم من انصاع واستسلم، وبذلك أخلى مسؤوليتى الكاملة عن نهايتكم السوداء.
حقا كانت لى جنود تملأ الأرض وما عليها، ولكنى لم أضرب أحدًا على يده لكى يصاحبنى فى هذا الطريق، أزيدكم اليوم حزنًا إلى حزنكم وأخبركم أنى برىءٌ منكم. فلا تسألونى عن شىءٍ ولا تستغربون شيئًا، فكل هذا من صنع أياديكم. فأنتم من أردتم الانغماس فى الشهوات والمصائب الكبرى، ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخى، أو بمعنًى آخر لا ينفع أحدنا الآخر، فنحن اليوم سويًّا فى النار. أمس أضعتم أثمن الفرص فى دخولكم الجنة، واليوم يتمتع بالجنة الذين دعوتهم فحطمونى باستغفارهم، فالله أعلى اليوم شأنهم وأعزهم وأدخلهم الجنة. أما أنتم فأذلكم وسود وجوهكم وأدخلكم معى نار جهنم التى ستأكلنا أكلًا. الغريب فى الأمر أن الله حذركم منى ومن شر أعمالى، وكم من آيةٍ حذرتكم من تلك الليلة السوداء فما اتبعتم إلا قلوبكم المريضة، حتى هذا اليوم بالتحديد ذكره رب العالمين فى سورة إبراهيم، ولكنكم استكبرتم وأعرضتم عن هذه الآيات: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِى عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُوا أَنفُسَكُم).
أحمد على- مساعد مدير تنفيذى بدار نشر- القاهرة