أصدرت إدارة الأبحاث والدراسات باتحاد المصارف العربية، تقريرًا مُطول ألقت فيه الضوء على الإجراءات الدولية لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، وأصدرت توصيات للمصارف العربية ومقترحات للجهات الرقابية لتخطي الأزمة بأقل خسائر ممكنة.
واستعرض التقرير تأثر قطاع الشركات بتداعيات الجائحة، بسبب المستوى الكبير من الترابط العالمي في عمليات التصنيع والتوزيع، مشيرًا إلى تسبب انقطاع النشاط الاقتصادي في مشاكل سيولة للشركات، وتحول ذلك إلى مشكلة ملاءة، ومشكلات مماثلة للمصارف، ومع انخفاض التدفقات النقدية بشكل كبير، موضحًا أن الشركات حول العالم وعربيًا تكابد من أجل دفع أجور موظفيها ومستحقات مورديها، وتسديد قروضها لمصارفها، وأنه من المتوقع أن تواجه الشركات مشكلة في الملاءة المالية، بمجرد استنفاذ احتياطاتها النقدية.
وألقى التقرير الضوء حول الضرر الذي تتعرض له الشركات التي ليس لديها إمكانية وصول مباشر إلى التمويل (بمختلف أاشكاله)، ومن بينها التخلف عن السداد والإفلاس، مشيرًا إلى معظم الدائنين الرئيسيين للشركات عربيًا هم المصارف، والذين يتعيّن عليهم بناء مخصصات ومؤونات خسائر القروض، وبالتالي قد يعانون من تدهور في كفاية رأس المال.
وشدد التقرير على أن نقص السيولة لدى العملاء سوف يؤدي إلى تراجع كبير في التدفقات النقدية للمصارف، ما قد يؤدي إلى مواجهة القطاع المصرفي تحديات جدّية تتمثل بموجة غير مسبوقة من العملاء المتعثرين، وزيادة في مخصصات خسائر القروض، وبالتالي تراجع في معدلات الربحية.
واستعرض التقرير الإجراءات الدولية التي اتخذتها عدد من البنوك المركزية لمواجهة الأزمة، من بينها قيام البنك المركزي الأوروبي بإعادة توصيته للمصارف بشأن توزيع عدم دفع أرباح للسنتين الماليتين 2019 و2020، وإعلانه توفير أموالاً جديدة لفتح تسهيلات إقراض موجهة للصناعات التي تضررت، ولمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة، وذلك بهدف المساهمة في تحقيق استقرار الإنتاج والعمالة وإنفاق المستهلكين.
ومنحت البنوك المركزية الأوروبية خطوط ائتمان غير محدودة وبتكلفة صفرية للمصارف لتجاوز أي نقص في السيولة، كما بدأت الجهات الرقابية الاوروبية بالتساهل في بعض معايير السيولة والملاءة والمخصصات والمعايير الرقابية لتشجيع المصارف على إقراض القطاعات المأزومة، فضلا عن تخفيضات أسعار الفائدة، وعمليات الريبو (إعادة الشراء) طويلة المدى بهدف دفع نشاط الاقراض، كما حدث في الهند، والسندات المضادة للجائحة Anti-epidemic bonds بهدف دعم الشركات المحلية ومساعدتها على الاستمرار، كشراء المصارف الصينية المملوكة للدولة مجموعة كبيرة من السندات المُصدرة من قبل الشركات الصينية، فضلا عن سياسة حزم الإغاثة، التي أعلن عنها صندوق النقد الدولي.
وعربيًا، أدت سياسات التباعد الاجتماعي إلى توقف النشاط الاقتصادي، وللتخفيف من تأثيرات هذا التوقف، قدمت الحكومات حزم دعم ضخمة ومتنوعة ل منع انهيار شركات القطاع الخاص وتخفيف ضغوط تراجع إيراداتها والحدّ من تسريح العمال، لكن من المتوقع أن يؤدي ذلك إلى أزمة ائتمان، حيث ان ارتفاع حالات التخلف عن السداد قد يجعل من الصعب على المصارف تقديم مزيد من الائتمان، وبالتالي تسريع حالات الإفلاس، مما يؤدي إلى المزيد من التخلف عن السداد.
ومن أحد المخاطر التي من المتوقع أن تواجهها تلك الدول هو ارتفاع العائد على الديون الحكومية بشكل كبير.
وأوصى التقرير البنوك المركزية العربية العمل على دعم الطلب المحلي وتعزيز الثقة في الأسواق عن طريق تيسير الأوضاع النقدية، وضمان استمرار تدفق الائتمان بشكل سلس إلى القطاعات الاقتصادية، وتعزيز السيولة في الأسواق المالية، والتوسع في الأقراض طويل لأجل.
وجاء من توصيات اتحاد المصارف العربية للجهات الرقابية لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، عدم تغيير القواعد المتبعة حالياً، وذلك لأن تغيير الآليات والقواعد خلال فترات الأزمة قد يتسبب في زيادة الضغوط والاضطرابات، واستخدام الهوامش الوقائية التي جرى بنائها خلال الفترات السابقة، حيث قامت معظم المصارف العربية خلال الفترات الماضية ببناء احتياطيات رأسمال وسيولة عالية، ما قد يساعدها على مواجهة ضغوط السيولة وتراجع الإيرادات الناجم عن عدم تحصيل استحقاقات القروض، كما يتوجب على الجهات الرقابية إعتماد الشفافية بشأن استخدام احتياطيات رأس المال والسيولة لمواصلة تقديم الائتمان المصرفي، مع تجنب أي تبعات سلبية على لمصارف.
وشملت التوصيات تعديل استحقاقات القروض، بعد أن أدت التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا إلى إضعاف قدرة المقترضين على الوفاء بالتزاماتهم للمصارف، ما قد يؤدي إلى إضعاف سلامة المصارف واستقرارها.
وأوصى التقرير بعدم إخفاء خسائر العمليات، بما أنه من المتوقع أن تطال الخسائر المصارف، فسوف تساعد الشفافية في تهيئة الظروف لإعادة الانطلاق فور انتهاء تداعيات الأزمة الحالية، وتعزيز آليات التواصل، وذلك عبر تشجيع إقامة حوار مستمر بين المصارف والجهات التنظيمية والرقابية، وبشكل خاص في ظل هذه الأوضاع والتحديات غير المسبوقة.