فيروس كورونا وجرثومة التخلف !

القس رفعت فكري سعيد السبت 25-04-2020 01:32

منذ عدة شهور ظهر فيروس كورونا المستجد بالصين، ومنها انتشر إلى عدد كبير من دول العالم، ومنذ أن اجتاح الفيروس العالم بشرقه وغربه وشماله وجنوبه والأطباء والخبراء والعلماء يواصلون الليل بالنهار للبحث عن دواء ولاكتشاف المصل الواقى منه، وبينما يعمل الأطباء والطاقم الطبى بجد واجتهاد ويسهرون على راحة المرضى، نجد على الطرف الآخر عدداً لا بأس به من الأصوليين المتعصبين يجلسون في بيوتهم خلف شاشات الكمبيوتر ومن خلال مفاتيح الكيبورد ينفثون سموم تعصُّبهم الأعمى، وينشرون عنصريتهم البغيضة، ويبثون جهلهم الفادح، فعند ظهور جائحة كورونا في الصين رأى عدد لا بأس به ممن ينتمون للأديان الإبراهيمية الثلاثة أن الله يعاقب الصين بالكورونا، لأن الصينيين كفار ولا يؤمنون بالله الواحد الأحد، وعندما تفشى الوباء في إيطاليا، رأى عدد من العنصريين أن ارتفاع عدد الوفيات والإصابات بالفيروس في إيطاليا إنما يرجع لعقاب الله للإيطاليين بسبب الحروب الصليبية، وأيضا هناك من رأى أن إيطاليا تدفع الثمن فادحًا لأنها تنتمى للكنيسة الكاثوليكية!!، وهناك من رأى أن الولايات المتحدة الأمريكية يرتفع فيها عدد الوفيات والإصابات بفيروس كورونا لأن الأغلبية من المسيحيين هناك ينتمون للمذهب البروتستانتى!!.. على الجانب الآخر ظهرت الخرافات الدينية من بعض أتباع كل الأديان، فهناك من اقتطعوا عددا من النصوص الدينية وأخرجوها من سياقها التاريخى والحضارى، فرأوا أن فيروس كورونا ما هو إلا عقاب من الله بسبب خطايا البشر وبسبب تفشى الانحلال الخلقى والمثلية الجنسية، وهناك من رأى أن اجتياح الوباء بهذا الشكل المروع ما هو إلا دليل على نهاية العالم واقتراب القيامة، وهناك من رأوا أن المؤمنين الذين يقتربون من الله في المساجد والكنائس لا يصيبهم الوباء، وأن المؤمنين محصنون، وأن الوقاية من الفيروس تكون بالدعاء وليس بالدواء!!.

وظهر من طالب بالبحث عن شعرة رأس أو شعرة رمش داخل الكتب المقدسة وطالب بوضعها في كوب ماء وشربها للوقاية من الفيروس!!. وهناك من طالب بزيارة أضرحة أولياء الله الصالحين والإتيان بحفنة تراب ووضعه في كوب ماء وشربه للوقاية من كورونا!!. وفى إسرائيل ركب عدد من اليهود المتطرفين طيارة هليكوبتر وصلوا فوق المبانى المهمة للوقاية من الوباء.

ومن المؤكد أن تفسيرات المتعصبين والعنصريين لفيروس كورونا تنم عن عنصرية بغيضة خارجة من قلوب كارهة لنفسها وكارهة للإنسانية ولكل آخر مغاير، كما أن تفسيرات الدجالين أبعد ما تكون عن التفكير العلمى الذي يجعل مَن ينتهجه يعيد المشكلات إلى أسبابها الحقيقية العلمية وليس لخرافات أو لأسباب عنصرية.

إن فيروس كورونا كشف عن جرثومة التخلف الكامنة في بعض العقول في منطقتنا، تلك الجرثومة التي تنضح بالتعصب والعنصرية والجهل والتخلف.

ومن اللافت للنظر أنه على الرغم من انتماء المتعصبين والعنصريين للأديان المختلفة إلا أنهم جميعاً يقفون على أرضية عنصرية واحدة، أرضية ترفض الآخر المختلف دينيًا أو عقائدياً أو أخلاقياً، ونسى هؤلاء جميعًا أن الله سبحانه وتعالى إله محب ودود، وهو يحب خليقته ويترفق بها، وما الشرور والأوبئة إلا من صنع الإنسان بسبب فساده وشروره وآثامه، فمنذ أن عصى آدم ربه فغوى، ومنذ أن أخطأ آدم وأخطأت ذريته، ومنذ أن عصى آدم ربه فعصت ذريته، وكل الخليقة تئن وتتوجع معًا وتعانى من الألم والأوبئة والموت، والإنسان الحكيم هو الذي يتعظ من مثل هذه الأزمات وينتهز الفرصة ليراجع حساباته، ويراجع موقفه من الله ومن إخوته في الإنسانية، وأن يتوب عن شروره وآثامه، فخير الخطائين التوابون.

فهل يمكن أن يكون فيروس كورونا فرصة لأن يراجع المتعصبون الداعشيون موقفهم من إخوتهم في الإنسانية، فالفيروس غير عنصرى ولا يمارس التمييز مثلهم، فهو لا يفرّق بين أتباع الأديان ولا يميز بين معتنقى المذاهب، كما أنه لا يعمل حسابًا لدول كبرى أو عظمى، ولا يفرق بين الأغنياء والفقراء، ولا بين العظماء والأدنياء، ولا بين الوزراء والخفراء، ولا بين الرجال والنساء، كما أنه يصيب الفجار الأشرار مثلما يباغت الأخيار والأبرار دون تفرقة.. فمتى سيبرأ العنصريون والدجالون من جرثومة التخلف؟!!.