استضاف الصديق محمود سعد، الأسبوع الماضى، وزير التضامن على المصيلحى ليناقش معه أزمة أنابيب البوتاجاز، ويبدو أن الرجل كان مبتهجا، لأنه يجلس مع نجم إعلامى شهير مثل محمود سعد فأحس أنه نجم سينمائى مثله مثل نانسى عجرم وعمر الشريف، لأنه لعب دور البطولة المطلقة فى أحدث أفلام الحكومة وهو فيلم (حرب البوتاجاز).
ويبدو أن فرحة الوزير كانت أكبر من أن تكدر صفوها الاتصالات التليفونية التى كانت تصرخ بالشكوى والمأساة التى يعيشها المواطنون الذين تمارس الحكومة ضدهم سياسة تكسير العظام وتبديد الآمال بلا رحمة، فقد ظلت ابتسامته (الساحرة) لا تفارق فمه وهو يرد على شكاوى المواطنين المهانين والمأزومين وكأنه يستمع إلى نكات، إلى أن اتصل به أحد المشاهدين وقال له: «إن أصحاب المستودعات وراء هذه الأزمة والحكومة عاجزة عن محاسبتهم ومنعهم من استغلال المواطنين، لأن معظمهم أصحاب نفوذ وأعضاء فى مجلس الشعب ولواءات شرطة سابقون».
أنا قلت فى عقل بالى جاء مَنْ سينكد على هذا الوزير المبسوط، خاصة أن محمود سعد نظر إليه بخبثه الصحفى المعهود وقال له: «صحيح الكلام الذى يقوله المستمع يا سيادة الوزير!!!».
فإذا بالوزير وكأنه حصل على جائزة الأوسكار عن دوره فى فيلم (حرب البوتاجاز) فاتسعت ابتسامته وتحولت إلى ضحكة عريضة ملأت وجهه ثم تحولت إلى قهقهة ومحمود ينظر إليه متعجبا، ثم قال بعد أن تماسك وتخلص من كريزة الضحك: «يعنى.. فيه بعض المستودعات...!!» وأكل الكلام ولم يكمل، ونظر محمود سعد إلى الكاميرا نظرة ذات مغزى ولسان حاله يقول «لا تعليق»!!
انتابتنى حالة من الغضب وأحسست أن هناك عصابة تدير موارد الدولة، وأخذت أتأمل المشهد باحثا عن سر قهقهة الوزير الضاحك وهو يستمع إلى مأساة شعب وكان بالأحرى أن يخجل من هذه الاتصالات أو يعتذر للمواطنين عن تقصير الحكومة فى حل الأزمة وعجزها التام عن ردع أصحاب النفوذ،
وتذكرت الحكاية الساخرة التى تقول: إن أحد الملوك جمع أبناءه وأحضر لهم قفصا به عدد كبير من الكتاكيت وقال «على كل واحد منكم أن يفتح القفص فى الحديقة ويحاول أن يمسك بالكتاكيت ومن ينجح فى الإمساك بها فى أسرع وقت جعلته وليا للعهد، فذهب كل واحد منهم يفتح القفص فتجرى الكتاكيت فى جميع الاتجاهات فيفشل فى الإمساك بها جميعا، وعندما عادوا جميعا وقد عجزوا عن جمع الكتاكيت، قال لهم الملك المخضرم «هاتوا القفص وأدخلوا فيه ضعف هذا العدد، وأخذ يرج قفص الكتاكيت بعنف لفترة طويلة حتى داخت الكتاكيت وترنحت ففتح لها باب القفص فلم يغادر القفص سوى عدد قليل من الكتاكيت المترنحة التى استطاع الملك أن يمسك بها جميعا فى أقل من دقيقة رغم اعتلال صحته، وبعد أن أغلق على الكتاكيت القفص قال لهم «إن الشعب مثل الكتاكيت فلو تركتم الشعب بحالة صحية ونفسية جيدة فلن تستطيعوا أن تسيطروا على الناس،
ولكن لو دوختموهم كما فعلت فسوف تضعونهم جميعا داخل القفص ولن يقوى أى واحد منهم على القيام من مكانه، فأوصيكم بتدويخ وبهدلة الشعب آخر بهدلة حتى يستتب لكم الحكم لتكتموا على أنفاسه أطول فترة ممكنة»، ولم أجد سببا أفسر به قهقهة الوزير الضاحك سوى هذه الحكاية فمادام المواطنون دايخين دوخة الأفريقى فى صحراء الصومال بحثا عن أنبوبة بوتاجاز، إذن فقد نجح هو وباقى الوزراء فى تدويخ الشعب ومرمطته أمام شعوب العالم، وهذه السعادة التى كان عليها الوزير لا لشىء سوى أنه نجح فى تنفيذ سياسة الحكومة بدقة.
ولو تأملنا ما تفعله بنا الحكومة لكان من الأجدر أن نطالب بتقديم هذه الحكومة إلى محكمة أمن الدولة العليا بتهمة خيانة الأمانة الوطنية التى أقسموا على صيانتها يوم أن تولوا المسؤولية، فقد نقلت وكالة (رويترز) عن «جدعون تدمر»، رئيس شركة «دليك إنرجى» المنقبة عن الغاز الطبيعى فى جنوب إسرائيل، قوله: «نعتقد أنه يتعين على إسرائيل تصدير فائض الغاز، حيث يغطى الغاز المنتج حاليا بالإضافة إلى الغاز الوارد إليها من مصر 40% من احتياجات إسرائيل لتوليد الكهرباء مما خفض تكلفة الكهرباء بنحو 18 مليار شيكل أى حوالى 5 مليارات دولار منذ عام 2004»،
بينما تقول البيانات الرسمية للشركة القابضة للغاز الطبيعى المصرية إنها صدرت لإسرائيل 30 مليار قدم مكعب من الغاز فى عام واحد (2008/ 2009) وكانت حصيلة العائدات تقدر بنحو 90 مليون دولار فقط بمتوسط 2.97 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، يعنى المليون وحدة بــ(15 جنيهاً) يعنى لا يساوى ربع حق أنبوبة بوتاجاز من السوق السوداء حيث بلغ سعر الأنبوبة فى كثير من المناطق 50 و60 جنيهاً للأنبوبة، فى حين أن الحكومة تستورد غاز البوتاجاز من السعودية والجزائر بمليارات الدولارات، والأزمة الأخيرة حدثت بسبب عجزها عن تسديد ما تراكم عليها من ديون للدولتين.. بالذمة أليست هذه الحكومة تستحق المحاكمة بتهمة إهدارها للمال العام والخيانة العظمى.