انتشلت قوات الأمن الجثة الخامسة فى غرق المركب النيلى «لنش المعلم»، حيث تم العثور على الضحية محمد على حسنين «محاسب» أمام شاطئ قرية «باسوس»، بعد أن جرفها التيار، وتعرفت عليها أسرته فى مستشفى القناطر، بينما لم تزل جثة طفله «فارس» مختفية، ولم تتمكن أجهزة الشرطة من القبض على قائد المركب المتهم «مدحت حسنين بيومى»، فيما خيم الحزن على شارع السد العالى بمنطقة «القصيرين» بالزاوية الحمراء،حيث فقدت أسرة عائلها وابنه الوحيد وحفيده - حديث الولادة -، ونجت الجدة وابنتاها وزوجة ابنها وحفيدها الأكبر من الموت غرقا.. أمام منزل من طابقين، لا يتوقف الصراخ من الأقارب والجيران، اللون الأسود يغطى المكان، الجدة الناجية أصيبت بجلطة أفقدتها القدرة على النطق أو الحركة، ابنتيها لا تفارقان مياه النيل فى انتظار خروج جثة ابن شقيقهما، تكويهما نيران فقدان الأب والشقيق الوحيد. «المصرى اليوم» انتقلت إلى مسكن الأسرة وسجلت التفاصيل الباكية.
بدأت التفاصيل المأساوية عندما قرر المحاسب محمد على حسنين «28 سنة» - شهرته حمادة - القيام بنزهة عائلية يوم إجازته، احتفالا بطفله الجديد فارس «شهران»، خرجت الأسرة كاملة، تضم الجدين على حسنين «54 سنة» وزوجته، وأبناءهما محمد وزوجته وطفليهما عمر وفارس، وشقيقتيه، أدوا صلاة الجمعة الماضى فى مسجد الحسين، قضوا مدة يتجولون فى شوارع المنطقة، انتقلوا بعدها إلى مطعم شهير وسط البلد وتناولوا وجبة الغداء، مع دخول الساعات الأولى من الليل قررت العائلة اختتام اليوم بنزهة نيلية، استقلوا أحد المراكب الرابضة على الكورنيش أمام مبنى التليفزيون، شاركهم آخرون لا يعرفونهم من قبل، وصل العدد إلى 19 راكبا، انطلقت الرحلة على أصوات الغناء والموسيقى. على بعد عشرات الأمتار من موقع التحرك حدث ارتطام شديد للمركب «لانش المعلم» فى قاعدة خرسانية لكوبرى السادس من أكتوبر، سادت حالة من الهلع والرعب بين الجميع، انقبضت القلوب ولم يجد الركاب إلا الدعاء، أصوات من بعيد تنادى على قائد المركب تطلب منه إيقاف الرحلة ونقل الركاب إلى مراكب أخرى، لكنه رفض وصمم على استكمال الرحلة بدعوى أن الشرخ بسيط، لن يؤثر فى شىء، اندفع إلى الأمام متجها إلى الجنوب، وعند وصوله إلى كوبرى 15 مايو كانت المياه تغمر المركب ويتساقط من عليه، تبدل الفرح إلى صرخات استغاثة وصراع للموت الذى يحاصر الجميع من كل مكان، بعد عمليات الإنقاذ تلفتت الجدة حولها فلم تجد زوجها ولا ابنها ولا حفيدها الصغير ووقعت المأساة.
وهناك فى الزاوية الحمراء، حبس الحاج محمد محمود - أحد جيران الضحايا- دموعه وهو يردد: «حمادة راجل وجدع، كل الناس تشهد بأدبه واحترامه للجميع، ربنا يرحمه ويصبر الباقيين من أهله».. وأضاف أن «حمادة» تربى معتمدا على النفس، فتح غرفته المطلة على الشارع، وحولها إلى محل لتصليح التليفونات المحمولة قبل أن يتزوج وينتقل إلى مدينة السلام، ويلتحق بوظيفته الحالية فى أحد البنوك، رحم الله الجميع.
وقالت «أم أحمد» ربة منزل - جارة الأسرة المنكوبة - أن حمادة مواظب على الحضور كل خميس من مسكنه فى مدينة السلام إلى بيت العائلة هنا فى الزاوية الحمراء، يحضر وزوجته وابناه عمر «سنتان» وفارس «شهران»، يبيتون مع والديه ويخرجون فى اليوم التالى للتنزه أو لزيارة الأقارب، وعندما ينتهى اليوم يعود وأسرته الصغيرة إلى شقته فى مدينة السلام، أما الضحية عم «على» - والد «حمادة» - فهو من الذين يواظبون على ارتياد المساجد ويحافظ على الصلاة فى أوقاتها، ويعيش فى حاله، ليس له أى مشاكل مع جيرانه، ربى أبناءه على الأدب ومراعاة حسن الجيرة والاعتماد على النفس.
«عمتى لسانها اتعوج وإيديها الاتنين اتشلوا، رافضة تتحرك من عند البحر، مستنية تشوف جثة حفيدها ومش قادرين ننقلها للمستشفى».. بهذه الكلمات تحدث «عبده» ابن خال «حمادة»، وقال إن عمته بعد أن انتشلتها قوات الإنقاذ النهرى نقلناها إلى مستشفى قصر العينى الفرنساوى، وبعد أن فاقت من الغيبوبة التى تعرضت لها إثر الحادث، أول الكلمات التى نطقت بها «على وحمادة وفارس ماتوا»، وأصرت على الذهاب إلى منطقة الحادث مرة أخرى، ولا تريد أن تغادرها، وتعرضت لإغماءة أكثر من مرة وانهارت ودخلت فى غيبوبة وبعدها تلعثمت فى النطق وأصيبت ذراعاها بشلل، وفقدت جزءا من الحركة والكلام.
بينما قال جارهم «عبده» إن أخت حمادة الكبرى كان سيتم زفافها بعد عيد الفطر المبارك، إلا أن القدر أفقدها والدها وأخاها وابن أخيها. وأن عم على «مبيض محارة» هوا العائل الوحيد لزوجته وبناته، وحمادة حاصل على مؤهل عال ويتحدث ثلاث لغات ويعمل محاسباً فى بنك، يود أهله ويصل رحمه.
وأضاف: «علمنا بالحادث عندما اتصلت زوجة محمد بأخيها عقب الحادث مباشرة وقالت له: (إلحقنا إحنا غرقنا)، فتوجهنا جميعا ومعنا كثير من أهالى المنطقة بالسيارات والدراجات البخارية إلى مكان الحادث، وعندما وصلنا كان المراكبية قد انتشلوا الناجين وجثة عم «على» الذى وجدوه أسفل المركب متشبثا به، ولم نجد جثة حمادة إلا صباح الاحد أمام قريه باسوس ولم نجد ابنه الرضيع حتى الآن». واستغرب من إصرار قوات الإنقاذ على البحث فى نفس مكان الحادث، ورجح أن يكون التيار قد جرفها بعيدا عن نقطة الغرق مثلما حدث مع والد الطفل.
وقال «عبده» إن عائلة عم «على» لم تتخذ قرارا بالدفن حتى الآن، مفضلين الانتظار حتى تعثر قوات الإنقاذ النهرى على جثة الطفل، قائلين: «مش هندفن إلا لما نلم لحمنا كله».
وحمل أهالى وجيران الأسرة مسؤولية الحادث إلى سوء سلوك «المراكبية» وإهمالهم واستهتارهم، وتحميل المركب أكثر من سعته المقررة من أجل الحصول على أجرة أكثر فى الرحلة الواحدة، دون التأكد من سلامة مراكبهم أو صيانتها، ودون وجود أدنى رقابة من المسؤولين عليهم.
وتوجه أهالى الضحايا إلى مستشفى القناطر الخيرية، لتسلم جثة «حمادة» بعد أن عثرت عليها قوات الإنقاذ النهرى صباح الاحد.
ورفضت عمة «حمادة» الحديث، وأصيبت بنوبة بكاء هستيرية، وتعالى صراخها متمنية أن يجدوا جثة الطفل.
كانت الحماية المدنية بالقاهرة تلقت بلاغا مساء الجمعة بغرق مركب أسفل كوبرى 15 مايو وعلى متنه 19 شخصاً، وانتقلت قوات الدفاع المدنى بإشراف اللواء عبدالعزيز توفيق إلى موقع الحادث، ونجحت جهودهم بالاشتراك مع قوات الإنقاذ النهرى ومعاونة بعض أصحاب المراكب فى إنقاذ 14 شخصا من الغرق، وانتشلت خمس جثث، وجار البحث عن جثة الرضيع فارس «شهران».