الحكاية بالنسبة للرئيس السابق واضحة مثل الشمس، فالدولة أحست بأن إعادة محاكمته سوف تشهد مفاجأة وهو ما حدث فعلاً يوم السبت الماضى، عندما تنحى القاضى، وعادت القضية إلى نقطة الصفر، وأصبح من حق «مبارك» أن يخرج من السجن، ليس لأنى أريد ذلك، ولا لأنك تريد ذلك أيضاً أو لا تريده، وإنما لأن القانون يقول بهذا، وإذا لم نحترم كلمة القانون، حتى ولو كان المستفيد منها هو عدونا، فليبحث كل واحد منا عن قانون خاص يطبقه على نفسه!
لا أنا، ولا أنت، ولا أى أحد آخر، هو الذى قال إن الرئيس السابق يجب أن يخرج فى 15 إبريل، وإنما المحكمة هى التى قالت، وأهل القانون هم الذين قالوا، ولأن هذا لم يكن على هوى البعض بيننا، فقد تم البحث بسرعة عن تهمة جديدة يبقى مبارك بموجبها فى محبسه، وكانت التهمة جاهزة، وهى حصوله مع زوجته وولديه على أموال مخصصة للقصور الرئاسية، ولو أنت تأملت طبيعة التهمة فسوف تكتشف بسهولة أنها هلامية لا تكشف عن شىء، فإذا تأملت توقيتها فسوف يتبين لك أنه مجرد نوع من المكايدة معه، وأن القصة على بعضها أقرب ما تكون إلى ما كان يفعله أى زوج مع زوجته زمان إذا قرر أن يطلبها فى بيت الطاعة، فكنت تسمع عن حيل وألاعيب، وتماحيك وأشياء عجيبة مماثلة، ولكن على مستوى زوج وزوجة!
لست من أنصار مبارك، ولو كنت من أنصاره لقلت ذلك علناً دون خوف من أحد، لكننى أتمنى أن نحاكمه، إذا قررنا أن نحاكمه حقاً، على شىء يليق بنا وبقضائنا، قبل أن يليق به هو كرئيس دولة سابق!
قلت، وأقول، وسوف أظل أقول، إنه لا فيلا فى شرم الشيخ، ولا أموال فى بنوك الخارج، ولا فلوس القصور الرئاسية هى التى يجب أن نحاكمه عليها، فهذه تفاصيل وصغائر، ثم إنها، وهذا هو الأهم، لن تضمن ألا يعاد ارتكاب أخطائه كحاكم الآن!
فالمفترض فى أى ثورة أنها تأتى لتتجنب ما كان قد تم ارتكابه قبلها فى حق الشعب، ولن يتم هذا إلا إذا عرفنا ماذا تم ارتكابه فى زمانه، فنتجنبه، وماذا تم بناؤه هناك، مهما كان حجمه، فنبنى فوقه حتى ولو كان أقل القليل.
هذا هو المنطق الطبيعى الذى يحكم الأشياء، وهذه هى طبائع الأمور، ولن يستقيم لنا حال إلا إذا حاكمنا العصور الثلاثة السابقة على 25 يناير سياسياً، لا لندين عبدالناصر، أو السادات، أو مبارك، ولا لنبرئ أياً منهم.. لا.. فهذا دور التاريخ وحده، وإنما لنبتعد عن بلايا ورزايا وقعت هناك ولا يليق بنا أن نقع فيها من جديد!
ولذلك فما يجرى مع الرئيس السابق هذه الأيام نوع من «كيد النسا» الذى لا يليق بنا، ولا بقضائنا، ولا بدولة عندها تاريخ وتقاليد دولتنا!