تلقيت اتصالاً من هشام رامز، محافظ البنك المركزى، يعقّب فيه على ما كنت قد أثرته فى هذا المكان، حول رفض البنوك المصرية سداد المديونيات بالجنيه، إذا كان أصحابها قد استدانوا فى الأصل بالدولار!
والقصة التى كنت قد تعرضت لها، صباح الاثنين من الأسبوع الماضى، أنك لو كنت قد استدنت عشرة آلاف دولار، مثلاً، ثم ذهبت الآن لتسددها فى موعدها، وأعطيت البنك المبلغ كاملاً ولكن بالجنيه، فإنه يرفض، ويطلب منك أن تسدد بالدولار، أو بأى عملة أخرى معترف بها دولياً.
وكنت أرى من جانبى أن رفض البنك، فى حالة كهذه، إنما ينال من قيمة الجنيه المصرى، ومن مكانته، كعملة وطنية يجب أن يكون لها احترامها طوال الوقت.
ولكن محافظ «المركزى» يرد، من خلال اتصاله، بأن القاعدة فى مصر، وفى أى بلد فى العالم، أنك كمقترض تسدد بالعملة التى استندت بها وحدها، وليس هذا فى تقديره تحكماً، ولا إقلالاً من شأن الجنيه، ولكنه ما يقول به قانون الائتمان فى أى بنك، وما يقول به أيضاً قانون البنك المركزى ذاته.
وهو يرى أن البنوك لو افترضنا أنها تجاوزت قانون الائتمان فيها، وقانون البنك المركزى، وقررت قبول تسديد مديونيات من هذا النوع بالجنيه، فإن هذا معناه تشجيع السوق السوداء للدولار، وخلق ما يسمى «الدولرة»، وهو ما يجب أن نقاومه!
ومعنى كلامه أنك حين تستدين بالدولار، فإن هذا لا يحدث إلا إذا كان لديك أمام البنك مصدر واضح للدولار تسدد منه مستقبلاً، كأن تكون من بين صناع السياحة مثلاً، أو أن تكون لديك وديعة دولارية فى البنك، فتستدين منه على أساسها، وبالتالى، فالواضح فى علاقة كهذه، بين المدنيين والبنوك، أن البنك ضامن، منذ البداية، أن هذا المدين عنده مصادر سوف تأتيه بالدولار، وسوف يسدد به وليس بغيره، فإذا ما قرر البنك أن يقبل سداد المديونية بالجنيه، فمعنى هذا أن فى إمكان هذا المدين، والحال هكذا، أن يبيع دولاراته فى السوق السوداء، وأن يكسب من وراء ذلك، ثم يأتى ليقدم للبنك قيمة المديونية بالجنيه!
وقد كان كل همى، حين أثرت القضية من قبل، وحين عدت إليها اليوم، أن تكون للجنيه، باعتباره عملة وطنية، قيمة محفوظة، وألا يكون فى إجراء كهذا، داخل البنوك، أى مساس بمكانته، كجنيه، وأظن أن مكانته سوف تكون عند مستوى طموحنا فى حالة واحدة فقط، هى أن يكون لدينا اقتصاد منتج يجلب الدولار، بالعمل ثم العمل، وليس بتسول الودائع به من هذه الدولة مرة، ومن تلك مرات!