تدليل الحكومة

محمد عبد المنعم الصاوي الثلاثاء 09-04-2013 22:16

الإنسان بطبعه مخلوق تنافسىّ، وهى صفة محايدة، لا هى حسنة، ولا شريرة فى حد ذاتها، فالتنافس يقع فى كل شؤون الحياة، ومن أبرزه التنافس الاقتصادى، الذى يدفع الناس إلى تسخير كل طاقاتهم ومعارفهم وقدراتهم الإبداعية وإمكاناتهم التمويلية لتحقيق التفوق على منافسيهم والفوز بالأسواق والصفقات من أصغرها إلى أكبرها.

يتنافس الإنسان على المستوى الفردى والمؤسسى والدولى، وهى حالة يدخلها ولا يخرج منها إلا عند اعتزال العمل أو مفارقة الحياة، وفى هذا السياق نتحدث دائمًا عن التنافس الشريف الذى يقوم - فى المقام الأول- على العدالة وعدم التمييز بين المتنافسين، وعلى أعلى درجة يمكن توفيرها من تكافؤ الفرص، الذى يظل أمرًا نظريًّا يحتمل التشكيك الدائم فيه. الموضوع الذى اخترته اليوم - تدليل الحكومة- شديد الأهمية للحالة الاقتصادية، التى تؤرقنا جميعًا، فتراجع الاقتصاد الملموس لا يعود فقط إلى الحالة الأمنية التى لا يختلف أحد على أهميتها لأى مستثمر وطنى أو أجنبى؛ البيئة الاقتصادية فى مصر مليئة بالتشوهات الموروثة على مدى نصف قرن أو يزيد، ولكن استمرار هذه التشوهات والآفات لم يعد مقبولاً، خصوصًا أن رصدها يَسْهُلُ حتى على أمثالى من قليلى الخبرة والعلم بدقائق وأسرار الاقتصاد!!

لابد من الإسراع بإجراء عملية غسيل مخ لكل مسؤول حكومى ما زال يعتقد أن عليه أن ينحاز للقطاع العام على حساب الخاص، أو ينحاز إلى المؤسسات القومية أو غيرها من التى حصّنتها مسميات باطلة فى أى مناخ اقتصادى شريف.

أعود لتأكيد أن أى عمل إنسانى يقوم على التنافس، وأن أى لاعب فى ملعب الاقتصاد والتجارة والصناعة والزراعة والصيد والإنتاج الحيوانى وكى الملابس وحلاقة الشعر والذقن لابد أن يعمل فى ظل قوانين ولوائح لا تميز بينه وبين منافسيه، إن كنا بالفعل نبغى تحقيق الازدهار الاقتصادى، ومن خلاله العدالة الاجتماعية والقضاء على الفقر.

أضرب مثالاً بعالم الإعلانات، الذى عملت فيه ما يقرب من ثلاثين عامًا من موقع القطاع الخاص. الآن فقط بدأت الفضائح تتكشف والأقنعة تسقط عن كل الممارسات الظالمة، التى خرَّبت صناعة يعتز أبناؤها بارتباطها الوثيق بتقوية الاقتصاد ودفعه، وتأكيدها لحق الاختيار الذى تدعمه وتضمنه من خلال الحملات الإعلانية فى مختلف الوسائل التقليدية والحديثة.

لقد بدأت الأرقام تطفو على السطح لتؤكد مدى الظلم، الذى وقع على المستثمرين الذين قبلوا أن ينافسوا مؤسسات شجعتها الحكومة على البلطجة المالية، والتهرب من سداد التزاماتها.

لقد بلغت مديونيات الكيانات التابعة للمؤسسات الصحفية مئات الملايين، بل المليارات، ما بين ضرائب ودمغات ورسوم وامتيازات، والحقيقة أن المذنب فى كل هذه الحالات لم يكن تلك الشركات، وإنما ذلك الطابور الطويل من المسؤولين المتواطئين والمتسترين بل المحرضين على البلطجة.

كم من المرات توجهنا بالشكوى من تحميل دمغة الإعلان على القطاع الخاص وحده، وقد كانت كفيلة وحدها بالقضاء التام على أى منافسة، خصوصًا بعد رفعها فى بدايات التسعينيات من 18% إلى 36% من قيمة الإعلان، والمضحك أكثر هو الحرص على تحصيلها منا مقدمًا، فى حين يكتفى بتسجيلها على المؤسسات، التى ترعاها الدولة لتنشر من خلالها ما تشاء من أكاذيب.

يضاف إلى ذلك عدم تحصيل الضرائب، وباقى استحقاقات الجهات السيادية، وهو لفظ يجب أن نلفظه بعد الثورة، التى يُفترض فيها القضاء على آخر ملامح العبودية.

إذا أردنا اقتصادًا صحيًّا، فعلينا أن نوفر لكل المشاركين فيه تنافسًا شريفًا.

لا يجوز أن تفرق القواعد واللوائح بين حكومى وعام وخاص وأهلى وزمالك!! أم تريدون أن تستمر دولة مبارك؟

إن تدليل الحكومة أو أى قطاع يؤدى إلى الفساد وسوء الأداء!

sawy@culturewheel.com