مثل جميع المصريين أمر بكثير من لحظات القلق والاكتئاب والشعور بالخوف من المستقبل. وقتها أشعر بأن الحياة ضيقة كرحم الأم بعد أن نغادرها لا مكان لنا فيها. لكن سرعان ما أتذكر قوله تعالى «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ». أمر إلهى لا أملك - كعبد - إلا الإذعان له. وها أنا ذا يا رب أنفذ الأمر وأحُدّث بنعمتك.
وجودك ووجودى على ظهر هذا الكوكب. هل فكرت فى قانون الاحتمالات وعرفت أنه يبعد بالضبط عن الشمس المسافة المطلوبة! وأنه لو كان أقرب قليلاً لاحترق كل شىء ولاستحالت الحياة عليه؟! ولو كان أبعد قليلاً لتجمد كل شىء ولاستحالت الحياة عليه أيضا؟!
«وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ»، تذكّرها حين تشاهد السماء الزرقاء الصافية التى هى فى الحقيقة ليس زرقاء ولا صافية، وإنما هى انعكاس ضوء الشمس على طبقات الغلاف الجوى، لذلك تشرق الشمس على القمر الذى لا غلاف جوى له بينما السماء مظلمة كقطع الليل الحالك.
«وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ»، تذكّرها وأنت تستنشق القدر المضبوط من الأوكسجين الذى تحتاجه الخلايا من أجل إنتاج الطاقة اللازمة لاستمرار الحياة. تذكّر هذه الآية الجليلة حين تشاهد من حولك عجائب الطبيعة من شجر أخضر ونخيل باسق تحمل أكمامه الثمرات الملونة.
«وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ»، تذكّرها وأنت تشاهد العصافير تحلق فى أوضاع فاتنة، لا يشغل بالها همومك التى تطنّ فى رأسك بمصاعب الحياة. تذكّرها حين تتأمل الزهور كقطع فريدة من الجواهر مختلفة الألوان. تذكّرها حين تسْبح الأرض حول أمها الشمس فيتعاقب الليل والنهار.
«وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ»، تذكّرها وأنت تشاهد نظرة ود فى عيون صديق. تذكّرها حين تعود آخر اليوم إلى بيتك الذى تفوح منه رائحة الدفء الآدمى. تذكّرها وأنت تقرأ الفاتحة لأمك الحنون التى سهرت الليالى تلو الليالى من أجل رعايتك. تذكّرها وأنت تتذكر حنان أبيك الذى منحك الحب والثقة بلا مقابل. كل ذلك لم يكن ممكناً لولا أن ربك شاء ذلك.
«وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ»، تذكّرها حين تدفئك أشعة الشمس، ويفتنك ضوء القمر، ويسبيك وميض النجوم. ويهب نسيم الليل مُحملاً بالعطور الربانية فتستجيب له نفسك بالحمد والتسبيح.
«وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ»، تذكّرها وأنت تشم رائحة الشواء، فيستجيب لها جهازك العصبى، وتبدأ استعدادات الهضم قبل مضغ الطعام. تذكّر هذه الآية الجليلة وأنت تستعرض أنواع الطعام المتنوعة التى أمر الله الأرض بإنباتها خصيصاً لإسعادك.
«وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ»، تذكرها وأنت تستعرض إنجازات البشرية، ومجهود الأجداد فى ترويض الطبيعة، كلها آلت إليك بلا تعب لتستمتع اليوم بإنجازات الحضارة.
والخلاصة أن الحياة جميلة مهما اكتنفها من مصاعب. ولا عجب فإنها نعمة الخالق جل وعلا إلى عبيده الضعفاء الرافعين أياديهم وقلوبهم، معترفين بفقرهم لسيدهم، مقرين بحاجتهم لمولاهم، يرجون رحمته ويخشون عذابه.
aymanguindy@yahoo.com