السياسيون العراة

الدكتور مصطفى النجار الأحد 10-02-2013 21:05

حين رأيت غلاف مجلة السياسى، التى تصدرها مؤسسة «المصرى اليوم»، وتصدر الغلاف رسم كاريكاتيرى لعدد من الرموز السياسية، التى شاركت فى وثيقة نبذ العنف التى تبناها الأزهر، ووقع عليها أغلب قيادات العمل الوطنى، ارتسمت على شفتى بسمة لطرافة الرسم الذى عبر عن وجهة نظر من انتقدوا الوثيقة وهاجموا كل المشاركين فى صياغتها والتوقيع عليها.

لم يضايقنى أن أكون شخصياً من بين من تم رسمهم على الغلاف، فهذه ضريبة العمل السياسى، وكل من تصدّر للعمل العام لا يستطيع أن يمنع الناس من نقده والسخرية منه، وكل هذا أراه يندرج تحت حرية الرأى والتعبير التى أنحاز إليها، ويجب أن تظل دوماً بلا سقف ولا قيد، طالما لا تستغل فى الفبركة والكذب والتشويه، وعلى كل السياسيين فى مصر، بمن فيهم رأس الدولة، أن يدركوا ذلك ويرتضونه. تحفظى الوحيد على ما رسمه الفنان المبدع والصديق العزيز أحمد نادى، الذى أعرفه من قبل الثورة، هو وضع شيخ الأزهر وممثل الكنيسة بين هذه الجمهرة من السياسيين، وأعتقد أن هذا لا يليق بجلال المؤسسات الدينية التى يعبر عنها هؤلاء. ضايقنى للغاية ما علمته عن منع هذا العدد من المجلة من التوزيع وسحبه من الأسواق، ولا أعلم هل حدث هذا عقاباً على صورة الغلاف، أم أحد الموضوعات التى احتواها هذا العدد عن بعض الشخصيات العسكرية؟ وأياً كان السبب،

فيجب أن نقف أمام سياسة المنع والمصادرة، ففى عصر الإنترنت والفضاء المفتوح لا معنى لفكرة المنع والمصادرة، لأن الأفكار لن توقفها أى سلطة ولا رقابة. أما الموضوع الأساسى، وهو وثيقة نبذ العنف التى قرأها البعض بشكل لا علاقة له بهدفها، ورأوا أنها تعطى للنظام الحق فى القمع، فهذا كلام عار من الصحة يستوجب المراجعة، فإدانة العنف والتبرؤ منه واجب على كل القوى السياسية، وهذه الوثيقة قيمية، أكدت مبادئ عامة لا خلاف عليها واستفادت منها المعارضة لتصحيح صورتها، التى يحاول البعض إلصاق تهمة العنف والتخريب بها.. لا أفهم أبداً أن يخرج البعض ليقولوا: نحن نختلف مع مبادئ عامة وقيم أساسية لمجرد شكهم أن النظام سيستخدمها لتبرير القمع. إن من يريد القمع وتوظيف القبضة الأمنية ضد الشعب لا يحتاج إلى غطاء من أحد، والنظر إلى انتهاكات حقوق الإنسان على أنها حالة مؤقتة وعابرة تفكير ضحل،

ومن يتخيل أن إصلاح المنظومة الأمنية سيحدث بسهولة واهم، وكان من الأجدى الحديث عن تصورات عملية لإصلاح الجهاز الأمنى وإلزام النظام بها وليس تخوين واتهام من صاغوا الوثيقة. حالة التناقض والارتباك الموجودة عند البعض فى الوسط السياسى تتصاعد، فبينما يقول بعض هؤلاء فى الاجتماعات المغلقة إن محترفى المولوتوف والحرق لا علاقة لهم بالثورة يخرجون ويقولون فى العلن إن عند هؤلاء ما يبرر فعلهم وإنهم ثوار أحرار،

ويطنطن البعض بأحاديث عن العدالة الاجتماعية وغضب المهمشين والثورة الكامنة، وهو لم يقترب يوماً من هؤلاء، وإنما يناضل من الفضائيات باسمهم ويستكمل نضاله عبر «تويتر»، وهو لا يدرك أن هؤلاء المهمشين والفقراء لو رأوه سيكتشف كيف ينظرون إليه بضيق واشمئزاز. حالة التخبط وفقدان الاتجاه نتيجة اليأس والإحساس بالإحباط لدى كثير من النشطاء والسياسيين تجعلهم يتخبطون ويبحثون عن أى ورقة ضغط لمواجهة النظام ولو كانت على خلاف مبادئهم. الشعب لا ينسى أبدا مواقف الجميع ويستطيع التمييز بين الصادقين والمدعين، فلتتمايز الصفوف.