سفر على حافة الهاوية (1)

أيمن الجندي الثلاثاء 22-01-2013 21:43

لم تكن البدايات تُوحى بالنهايات، ولم أتخيل قط - وأنا أبدأ السفر- أن حياتى ستكون بعد قليل على حافة الهاوية.

استيقظتُ منتعشاً ومصمماً على الاستمتاع بالرحلة لأقصى حد. من جهةٍ كانت أول إجازة حقيقية أقوم بها بعد عام من الضغوط المتواصلة، ومن جهة أخرى كان الصباح الشتائى بديعاً ومُوحياً بالبهجة. الشمس كما أحبها بالضبط: ناعمة، دافئة، فضية. تراوح مع الغمام اللعوب، تسطع أحياناً وتتوارى أحياناً مع نسائم منعشة تتخلل شعورنا وتلثم وجوهنا فى رقة.

لم يكن هناك ما يعكر صفوى سوى أننى سأجلس فى المقعد الخلفى. وهو شىء يؤلم ركبتى التى لا تجد راحتها سوى فى المقعد الأمامى. وبالنظر إلى أنها رحلة طويلة فقد همست فى أذن السائق إن كان ممكناً أن يستأذن الراكب الأمامى فى تبادل المقاعد!.

ولكن السائق تصرف بطريقة فظة تماماً! وجدته يسحب الراكب من مقعده وكأنه يسحب شيئا، دون أى توضيح من جانبه، ويدفع به إلى المقعد الخلفى. والمدهش أن الراكب المسكين لم يبد مقاومة وإنما استسلم تماماً. شرعتُ أتأمله فى دهشة فوجدته رجلاً يبدو عليه ضيق الحال بشكل بيّن، وكأنه تعود أن تعامله الدنيا هذه المعاملة. واعتصر قلبى استسلامه الذليل فشرعتُ أشرح حال ركبتى وأعتذر له بحرارة.

وجاء راكب آخر لم يناسبه المكان، وبمنتهى البساطة، ودون أى توضيح من جانب السائق وجدته يسحب المسافر الفقير ويدفع به إلى المقعد الأخير الملاصق لشنطة السيارة. بعدها جاء راكب ثالث، ولسبب ما فى عقل السائق وجدته يعيد توزيع الركاب كأنه يوزع أشياء! ويسحب الراكب المسكين، وكأنه ميدالية ينقلها من جيب إلى جيب، ثم يضعها فى نهاية الأمر على المنضدة.

وبدأت الرحلة. وبدأت ألاحظ أن السائق يدخن سيجارة من أعقاب سيجارة. فقلت له ناصحاً: «أنت تدخن بشراهة!» فنظر لى موافقا، فأردفتُ قائلاً: «الأمر لن ينتهى بهذا الإفراط على خير. إما تمدد فى الرئة مصحوب بضيق نفس مستمر، أو سرطان فى الرئة».

ونظر لى فى فزع وقد جحظت عيناه، وكأنه يسمع لأول مرة أن السجائر مُضرة. قال متسائلاً: «سرطان رئة؟». قلتُ مشجعاً «نعم». ولكنك لو امتنعت الآن فلن يحدث لك شيء، وكأنك لم تدخن».

عاد يردد فى هستيريا: «سرطان رئة!». ثم فجأة ودون سابق إنذار طوّح بالعلبة كلها خارج السيارة. وقال فى توكيد: «أقسم بأغلظ الأيمان أننى لن أضع سيجارة فى فمى أبداً».

ونظرت إليه متعجباً وقد أدهشنى رد فعله. أعرف أننى مُقنع ولكن ليس إلى هذا الحد! رباه إن الحياة جميلة فعلاً. وهأنذا قد صرت مصلحاً اجتماعياً فى غمضة عين!

ومددت قدمى إلى الأمام مستمتعاً بالراحة! ما أروع أن أغير مصائر الإنسان بمجرد كلمة! أردف السائق منفعلاً وكأنه يكلم نفسه: «أنا معى نقود كثيرة! خمسة ملايين أتركها من أجل سرطان رئة! قسماً بالله لن أمس السجائر أبداً».

غداً تعرفون إن شاء الله المفاجأة المذهلة.

aymanguindy@yahoo.com