الهيبة والخيبة لا تجتمعان.. والمُصارحة والمُراوغة لا تلتقيان

طارق الغزالي حرب الأحد 20-01-2013 21:15

كثُر حديث المنافقين الجُدد هذه الأيام فى وسائل الإعلام المقروءة والمرئية، خاصة تلك التى تمكنت جماعة الإخوان من السيطرة على قياداتها، عما يسمونه «هيبة الدولة» حيناً و«هيبة الرئيس» حيناً آخر.. ويستخدم هؤلاء الذين تستخدمهم الجماعة لغة تحريضية سقيمة، عفا عليها الزمن، وتجاوزتها الشعوب التى انتفضت فى السنوات الأخيرة، وثارت على ثقافة العبيد التى سادت تلك المنطقة من العالم طوال تاريخها. آخر من كتب عن هذا الموضوع وكرر الكتابة عنه هو السيد رئيس تحرير صحيفة «الأهرام» الذى عينه مجلس الشورى المطعون فى شرعيته وتسيطر عليه جماعات الإسلام السياسى، إذ طالب فى أحد مقالاته الأخيرة بأن يكون المساس بالرئيس خطا أحمر، لأنه على حد قوله ومُعتقده البائس «رمز لهيبة مصر، والانتقاص من شخصه تصريحاً أو تلميحاً هو انتقاص من هيبة الدولة، سواء كان من خلال برامج تليفزيونية أو غيرها»، ويعتقد رئيس التحرير المذكور أن أسلوب بعض البرامج التى يعتبرها الناس كوميدية هو فى النهاية تسفيه لمصر، وأن هذه البرامج التى يشاهدها مواطنو أقطار أخرى تجعلنا مثار سخرية!

 نفس هذا الرجل لم يجد حرجاً فى الكتابة عن شخصيتين كبيرتين لهما وزنهما واحترامهما المحلى والعالمى - ربما بأكثر مما يحظى به رئيسه - بأسلوب فيه من الغِلظة وافتقاد الأدب والادعاء ما استدعى رئيس مجلس إدارة الصحيفة أن يعلن اعتذاره عما كتبه رئيس التحرير، ويقول إنه كان سقطة فى تاريخ الصحيفة العريقة. إننى أقول لهذا الرجل وأمثاله إن ما يفرض الهيبة هو إثبات الذات والقدرة على الإنجاز واحترام القانون والعدالة، وإن محاولة فرض هيبة زائفة على دولة فاشلة أو رئيس فاشل هو بالضبط كل ما تحمله كلمة الديكتاتورية من معانٍ بغيضة.. والغريب أنه فى غضون الأيام التى كثُرت فيها الأحاديث والمقالات عن هذه الهيبة المطلوب فرضها، زادت مظاهر الخيبة فى كل مكان على أرض مصر وفى كل مجال، داخلياً وخارجياً! رئيس - ونظام - لا يحترم القانون،

 ويفرض رجاله وأهله وعشيرته مهما كان تدنى مستوى كفاءتهم على رأس المراكز القيادية بالدولة بطريقة أقرب إلى نظام عصابات المافيا بفرض الأمر الواقع بالتحايل على القوانين حيناً وبالبلطجة الصريحة حيناً آخر.. رئيس - ونظام - لا يُعير المواطنين خاصة الضعفاء منهم أى اهتمام، ليصبح الشعب ويُمسى على أخبار سيئة وكوارث وتدن فى مستوى الأداء يزداد يوما بعد يوم.. من أين تأتيهم الهيبة أيها المنافقون؟!

 الحُجة البليدة المُستهلكة الخائبة التى نسمعها دوماً من هؤلاء الفشلة أنهم ورثوا نظاماً مُهترئاً خَرِباً فاسداً، وهذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان، فهذا ما جعل الشعب يثور عليه، ولكن ماذا فعل هؤلاء الإخوان المُتأسلمون منذ أن تولى رئيس منهم السلطة، وأخذوا بعدها فى الانتشار السريع كالورم الخبيث يبعث إرسالياته إلى جميع المواضع الحيوية فى الجسد المريض؟ هل حاولوا التقدم ولو لخطوة واحدة تجاه مواجهة المصائب والمشاكل التى تركها النظام الساقط؟ بالتأكيد فإن ذلك لم يحدث، وفى اعتقادى أنه لن يحدث فى المستقبل القريب طالما ظلت هذه الجماعة بأفكارها الرجعية المُتخلفة وعُقدها النفسية وكفاءتها المحدودة هى المُهيمنة والمُسيطرة على أوضاع البلاد وأحوال العباد، وطالما أنه لا هم لهم غير الاستحواذ على المناصب وتوزيع المغانم ونهب ما تبقى من ثروات هذا الوطن المنكوب لمصالحهم الخاصة ومصلحة جماعتهم.

 لو كانت هناك نية للإصلاح والاهتمام بتحقيق أهداف الثورة فى توفير لقمة العيش والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، أو بمعنى آخر لو كان من قادوا الشعب فى ثورته العظيمة ومن بشروا بها - وليس من سرقوها وركبوها - هم من تولوا الأمر لكانت قد تغيرت أشياء كثيرة، لأنه ببساطة شديدة فإن الخطوة الأولى للإصلاح الحقيقى والجذرى التى كان لابد أن يقوم بها الوطنيون الشرفاء المؤهلون هوى مُكاشفة ومُصارحة جموع الشعب التى آمنت بالثورة وأحست معها بالفخر والاعتزاز، بحقيقة الأوضاع القائمة، والتقدم إليهم بخطط عاجلة لرفع الظلم والقهر عن الفئات التى عانت ما عانت طوال عقود قبل أى شىء آخر، والاهتمام بإعادة توزيع موازنة الدولة لصالح تحسين الخدمات المُنهارة التى يعانى منها هذا الشعب الصابر، خاصة محدودى الدخل والفقراء منه. المؤكد أن هذه المُصارحة لا يمكن أن تقوم بها جماعة عاشت مُطاردة منبوذة معظم سنوات تواجدها على الساحة السياسية، وتربت على الكذب والمراوغة والسمع والطاعة، ولم تكن مصلحة مصر وشعبها مما يُشغلها وتحسبه من همومها يوماً ما.. ولم لا ومُرشدهم الأعلى قالها من قبل «طُظ فى مصر»! خَيبكم الله وأزاح الغُمة عن أرض مصر الطيبة فى يوم يراه البعض بعيداً وأراه قريباً بإذن الله.