خطاب مرسى فى المجلس الملفق، ورسالة المرشد المسؤول غير الشرعى، وقرار رئيس الوزراء غير المرئى: ثلاث وقائع تؤكد أن نهج الإخوان فى السلطة لم يختلف قيد أنملة عن نهج مبارك فى أخريات أيامه، بينما يشبه تمسكهم بهذه السلطة تمسك بشار الأسد.
ليس المؤلم فى الخطاب هو فقط الأرقام غير الحقيقية، بل تكمن المأساة فى الخطط التى تعتمد أساساً على الوعد بمغامرات جديدة لزراعة الصحراء وإقامة مناطق صناعية كبرى. وعلاوة على أن مردود هذه الخطط غير مؤكد وغير سريع، فإن مشكلتها الأكبر هى فى التطابق مع استراتيجيات مبارك القائمة على تجاهل تنمية لستة ملايين فدان خصبة واللعب بالماء فى الصحراء، وتجاهل إنقاذ الصناعات القائمة وتنمية الموارد الطبيعية من مصائد الأسماك إلى المناجم.
سياسة قائمة على الوعود، ولو أحصينا ملايين الأفدنة التى تم استصلاحها فى مانشيتات سنوات مبارك الخمس الأخيرة لاكتشفنا أن زمام الزراعة المصرية وصل إلى حدود سوريا، ولو أحصينا المناطق الصناعية الحرة لوصلت السوق الحرة المصرية حدود الجزائر.
وإذا لم تجد سياسة الوعود الكذابة ما يكفى من المؤمنين بها، فالحل فى القرار الذى اتخذه رئيس الوزراء باستيراد شركة إعلانات أمريكية لتسويق صورة النظام. وإذا لم يقتنع المصريون بالذوق، فآخر العلاج الكى، والمرشد جاهز لكن بصر برسالته إلى الإخوان للاستعداد للاستشهاد. والمرشد لا وجود شرعى له داخل النظام، لكن العسكر فعلوها وأهدوا الجماعة المحظورة حزباً فوق البيعة، وكان المنطق يقتضى حلها فى الحزب.
على كل حال، اختيار الإخوان واضح للسير فى طريق الفشل الذى سار فيه مبارك، لكن الجماعة لن تفعل مثله فى الدفاع عن السلطة، بل ستمشى فى طريق الميليشيا الذى سار فيه القذافى وعلى عبدالله صالح وبشار الأسد. وسط هذا الواقع المؤسف يقسم الإعلام وقته إلى حصتين، إحداهما للتيار المدنى الذى يصرخ محذراً من ثورة جياع تأكل الأخضر واليابس، والثانية لإطلاق بالونات الأمر بالمعروف التى ينفخها بلطجية السلف والأمن، وقنابل الدخان التى يفجرها مندوبو مبيعات الجماعة الذين يحاولون تضليل المصريين بإضفاء قداسة كاذبة على ما يسمونه «شرعية صندوق الانتخابات». يصور هؤلاء شرعية الصندوق وكأنها أبدية، وكأن الذى اختار عليه ألا يسحب كلمته بعد أن يتعرض للخديعة. وهذا تدليس، إذ نرى الدول من حولنا تدعو إلى انتخابات مبكرة عندما تنقسم الآراء بأقل من الانقسام الحاصل فى مصر الآن.
الدعوة مبادرة يأخذها الجالس على كرسى الحكم. وإما أن يقول له الشعب نعم مجدداً فيستطيع أن يستأنف الحكم فى جو من الاستقرار أو يقول له لا، فيتخلى وينصرف إلى صفوف المعارضة.
الصندوق حكم يمكن العودة إليه فى غير الموعد، وهذه هى الديمقراطية، أما التمسك بالسلطة كما لو كانت رمة بين الأنياب، فهو ليس سلوكاً ديمقراطياً وليس سلوكاً بشرياً حتى. ونحن فى هذا المربع للأسف، ولشديد الأسف يبقى الصوت المعارض فى مربع التحذير من «ثورة جياع» وهذا نوع من التعالى على الفقراء، وكأن القيادات المدنية تقول للإخوان: «نحن نخبة معاً فلا تدخلوا الفقراء بيننا»! جبهة الإنقاذ دعت المصريين إلى التصويت بـ«لا» على الدستور وخسرت المعركة، لكنها فتحت بهذه الخسارة طريق النضال السلمى ويجب أن تكون معركة البرلمان أكثر نضجاً، وإلا فإن جريمتها لن تكون بأقل من جريمة السلطة.
مطلوب العمل على ضمان نزاهة الانتخابات من خلال تنقية الجداول وتقسيم الدوائر بطريقة سليمة وصولاً إلى رقابة الصندوق، وإذا لم تتحقق المطالب يكون خيار المقاطعة قائماً. وفى الوقت نفسه يجب وضع خطة تنمية حقيقية تتعهد بها قائمة الجبهة. وبهذا فقط يمكن تفادى ثورة جياع الخبز على جياع السلطة. وتقصير الجبهة فى هذه المعركة سيكون الخذلان الثانى بعد خطيئة تشتيت أصوات الثورة فى انتخابات الرئاسة.