لمياء والقطة وفتحية (2)

أيمن الجندي الأربعاء 02-01-2013 21:53

كانت لمياء تسير وسط المطر وقلبها يخفق. «رباه أنا سعيدة!»، هتفت لمياء من أعماق قلبها. لا تدرى لماذا تشعر بالسعادة إلى هذا الحد! ربما هو الشتاء الذى ارتبط معها بالرقة والرومانسية! وربما لأنها كفت عن مخاصمة الحياة ونوت التصالح مع أقدارها! وربما لأنها قررت أن تستمتع بكل لحظة مقبلة فى حياتها، وهل هناك أجمل من صباح شتائى؟!.

«على كل حال أيا كان السبب فأنا محظوظة». هكذا قالت لمياء لنفسها. الحمد لله أنا ميسورة الحال، جميلة الصورة. ثم إننى أحب الخير لجميع الناس وأتمنى أن أساعدهم.

وفجأة انتبهت لمياء لمشهد قطة بائسة ترتجف من البرد وتقف على مقربة من بائعة السمك. وتموء فى استجداء لصاحبة الكنز البحرى عسى أن يرق قلبها. وقفت «لمياء» تتأمل المشهد ملياً. وتدافعت فى عينيها دموع الرحمة. وتذكرت نفسها. قصتها المريرة مع «هيثم». الرجل الوحيد الذى أحبته، لكنه لم يفطن إليها! لم يحاول فى يوم أن يقرأ عينيها. إذاً لشاهد هذه النظرة المناشدة المتوسلة! لكنه لم يقرأها.

أحست لمياء بغصة فى قلبها. واختلطت دموعها بدموع السماء المنهمرة. لم تتردد. اقتربت من البائعة البدينة التى لم تكن تدرى حتى الآن أن اسمها «فتحية». وابتاعت عدداً من السمك يكفى القطة وزيادة. حدجتها البائعة بنظرة متشككة. شىء فى ملابسها الأنيقة وعطرها الفاغم استفزها. لذلك طلبت منها ثمنا باهظا، لكن لمياء لم تجادل! وأعطتها النقود ببساطة تصل إلى حد الاستهانة. النقود معطرة وجديدة ولامعة. مثل كل شىء ينتمى لهذه السيدة المترفة.

استدارت لمياء ومضت نحو القطة. وقفت فتحية ترقب المشهد عاجزة عن التصديق. لمياء تنحنى على الأرض وتضع السمك أمام القطة. وتشاهد فرحة القطة الفطرية.

لم تشعر فتحية بحقد فى حياتها مثلما شعرت فى تلك اللحظة. ولم تكره فى حياتها أحداً مثلما كرهت هذه السيدة المستفزة. تذكرت جنبها الأيمن الذى عاد يؤلمها. وشاهدت بوضوح قطرات المطر تنسكب من سطح بيتها المتهالك! وأحست بملمس ثيابها المبتلة. وشعرت بخدر فى ساقيها، كالذى يعقب رحلة طويلة منهكة لشادر السمك. ثم بعد ذلك كله تمنح السمك للقطة!

لو كانت النظرات تقتل لقتلتها نظراتها. لذلك بمجرد أن ابتعدت لمياء رجمت فتحية القطة بحجارة الطريق فابتعدت وهى تصرخ. وانقضت فتحية على السمك وأعادته إلى السلة.

فى هذه اللحظة استدارت لمياء لتلقى على القطة نظرة أخيرة. فوجئت بالبائعة تسترد السمك. رجعت على الفور وقد استبد بها الغضب. كانت البائعة فى الحقيقة تنتظرها وتتمنى رجوعها.

والذى حدث بعدها يصعب وصفه. ارتطم الشقاء بالشقاء وتبادلت كلتاهما كلمات قارصة لا تستحقها أى منهما. تذكرت لمياء قسوة هيثم. نسيت بهجتها المؤقتة. ولم تعد تذكر سوى أنها تُعامل دائماً بقسوة لأسباب غير مفهومة. وتذكرت فتحية قسوة أيامها، ونسيت تماما أنها أخذت أجرها وزيادة، ولم تعد تذكر سوى أنها تُعامل هى الأخرى بقسوة لأسباب غير مفهومة.

وكانت القطة مازالت تجرى، ورائحة السمك الضائع تعبق أنفاسها.. تعذبها.