لمياء والقطة وفتحية

أيمن الجندي الثلاثاء 01-01-2013 21:06

استيقظت «لمياء» فى الصباح شاعرة بالبهجة. فتحت عينيها الجميلتين فى كسل، واستحبت أن تمكث فى الفراش الدافئ قليلاً دون أن يكون لديها ما تفعله. بعد أن استمتعت بإحساس الاسترخاء، أزاحت الغطاء الوثير الناعم ذا الوبرة الكثيفة. ألقت نظرة سريعة على المرآة فسرّها ما رأت. طالعتها صورة لامرأة فى تمام نضجها، كالتفاحة يكمن سرها فى الرحيق المعطر.

البيت دافئ ومُعطر ويشهد بحسن ذوق سيدته. ارتدت لمياء أجمل ثيابها بسرعة، تزينت لغير سبب محدد، فقط أحست بأنها تريد أن تتزين وتبدو جميلة! نثرت قطرات من العطر الفاغم، ومن خلال النافذة المصقولة شاهد قطرات المطر تنساب كحبات اللؤلؤ. شعرت لمياء بقلبها يخفق. قررت النزول على الفور لتشارك الطبيعة مهرجانها الكونى، وتشعر بقبلات المطر تلثمها على وجهها وشعرها. من شدة ما أحبت الشتاء تمنت لو كان جميع فصول السنة شتاء!.

فى اللحظة نفسها كانت «فتحية» تخوض الدرب الموحل. يداها مثلجتان من البرد القارس. والمطر يبلل ثوبها، الذى كان من الأصل مبللاً بعد أن تسربت بالأمس مياه الأمطار. سطح الغرفة التى تقطنها على أطراف المدينة يحتاج ترميماً عاجلاً لا تملك منه مليماً. أمسكت بيدها جانبها الأيمن بصعوبة وهى تسير متحاملة على نفسها. أهاج البرد آلام الكلى المزمنة التى ترددت بسببها على المستشفيات الحكومية دون جدوى. وفى كل مرة يمنحونها أقراصاً بيضاء تعرف مقدماً أنه لا فائدة منها. هى فى الحقيقة تعرف علاجها جيداً: بيت دافئ له سطح محكم، ملابس ثقيلة مناسبة، ولا تضطر للذهاب للشادر فى الصباح الباكر لشراء بضعة كيلوجرامات من السمك الرخيص تبيعه فى السوق.

سارت فتحية فى طريقها إلى مكانها المعتاد فى السوق، تفوح منها رائحة الزفارة البحرية. ترى هل ستعود إلى بيتها بثمن البضاعة مضافا إليه بضعة جنيهات هى كل مكسبها؟ أم ستعود بالسمك بعد أن اشتد الفقر بالناس وكفوا عن الشراء؟. فقراء ينتظرون الرزق من فقراء، يعانون جميعاً من برد شتاءٍ يقسو على أمثالهم!

استيقظت القطة متوعكة المزاج بعد أن انهمر المطر طوال الليل، واضطرت إلى أن تختبئ تحت السيارات المبتلة. البرد يجمد أطرافها، والجوع ينهش أحشاءها. ولولا مخلفات السوق، التى تعيش جوارها، وأكوام القمامة المبللة، لماتت من الجوع. السماء غائمة هذا الصباح، والمطر ينهمر فجأة. جرت بسرعة محاولة الاختباء تحت جدار، فطردها البشر الواقفون هناك. احتمت أسفل سيارة وهى تخشى أن تتحرك فجأة. توقف المطر عن الانهمار وفاحت عن قريب رائحة الزفارة البحرية. ذهبت إلى حيث تفترش فتحية الأرض، تضع سمكها فى سلة. انتفش ذيلها، انتصب شاربها، وتملكتها رغبة جنونية فى أن تهجم على السمك، لولا أن غريزتها علمتها أن الاقتراب خطر. جلست على قوائمها الخلفية عن قرب من فتحية، وهى تموء فى استجداء وتنظر لصاحبة السمك نظرة كلها توسل وأمل.

(نكمل غداً إن شاء الله).

aymanguindy@yahoo.com