الطريق قطعة من جهنم. والسيارات تمرق فى جنون. والغضب ينتفض فى أعماقه كجمرة خبيثة تستعر تحت الرماد. ومما يزيده حنقاً ملامح السكينة والسلام النفسى المرتسمة على وجه زوجته. الجو من حوله بؤس خانق وحزن لا يُطاق. وهى فى عالمها الخاص هادئة مبتسمة. تحاول أن تهدّئ من ثائرته بكلمات تصادف قلباً أصم. تشاجر مع بواب العمارة الذى لم ينظف السيارة رغم أنه يتقاضى أجراً. تشاجر مع سائقى السيارات الأخرى وشرطى المرور. تشاجر مع القطط والعصافير وخاصم كل شىء فى العالم. وأثناء ذلك كله تظل هى هادئة مبتسمة.
زاد من سرعة سيارته واضعاً يده على النفير بحركة متصلة. وأسعده أن يلمح ملامح الانزعاج على وجه زوجته، وإن ظلت لا تنبس بكلمة. كانا ذاهبين لزيارة عمته المريضة، بعد أن ألحت عليه طيلة الأيام السابقة وكأنها عمتها هى! وحين استجاب لها شرعت تشكره فى حرارة وكأنه أسدى لها معروفاً.
وفجأة أحس بصدمة هائلة. وجد نفسه يغوص وسط الزجاج المكسور، لكنه لم يحس بألم. وسمع -وهو يفقد الوعى- صوت زوجته تنطق الشهادة.
وفجأة استعاد وعيه فأمسك المقود بصعوبة. عجباً يوجد بجواره كوبرى لم يشهده من قبل. صاعداً إلى أعلى باستمرار ولا تبدو له نهاية. متى بنوا هذا الكوبرى الأعجوبة!؟.
لم يتردد. انعطف إلى الكوبرى. الطريق مفتوح كقلب صديق، ولا تسير عليه سيارة واحدة. ينطلق صاعداً إلى السماء دون توقف. غريب أن تنطلق السيارة بهذه الخفة بعد تعرضها لحادثة مروعة وكأنها تخلصت من أغلال الجاذبية! السماء صافية كما لم يشهدها من قبل، زرقاء كأنها لجة بحر.
وفجأة انتهى الكوبرى. وجد الضوء يترقرق من جانبى الطريق، وكأنه يشع فى حد ذاته. الطريق مسدود ببوابة! يحرسها شاب باهر الحسن لا يكف عن الابتسام. تحشرج صوته وهو يسأله عن الطريق. قال إنه وصل إلى هنا للتو بعد حادثة. لكن الرجل أجابه بلغة غير مفهومة، بدت فى أذنيه كتغريد الطيور. فقال لزوجته: «إما أننا نحلم أو انتقلنا إلى كوكب آخر».
ابتسمت زوجته فى هدوء وحاولت التحدث مع الحارس. ولدهشته العارمة وجدها تتحدث مع الشاب باللغة نفسها. كلماتها أشعار وحروفها أنغام. فمتى تعلمت هذه اللغة؟
وبعد أن تبادلا حديثاً طويلاً تخلله الابتسام، التفتت إليه قائلة: «غير مسموح لك بالدخول». قال فى ريبة: «وأنتِ؟». تبادلت معه الابتسام والأنغام، ثم قالت: «مسموحٌ لى بالدخول». قالتها فى هدوء وهى تبتسم.
وساد الصمت ملياً، ومد ناظريه إلى بعيد. وجد نفسه تواقاً إلى الضوء المنبعث والجمال الأخضر. سألها: «سليه ماذا يمنعنى من الدخول؟». وعادت تتبادل معه الأنغام والابتسام، ثم قالت: «غضبك يمنعك».
وعاد الحارس يشير لها بالدخول، فتحركت فى مقعدها حركة يسيرة! فأمسك بها بقوة، وقد استشعر ذعراً برياً غير مفهوم، وقال لها بحرقة: «أرجوكِ لا تتركينى».
aymanguindy@yahoo.com