كان المواطن الذى تحدث مع قناة «الجزيرة مباشر مصر» عصر الجمعة من قرية المندرة التى فقدت 51 طفلاً فى حادث القطار على حق عندما انتقد الحملة التليفزيونية لجمع مليون بطانية لفقراء الصعيد!
لم أفهم لماذا فقراء الصعيد بشكل خاص، وماذا عن فقراء الدلتا والقاهرة، والإسكندرية!! الإعلام هو لعرض الحال فقط بأكبر قدر ممكن من الحرية ومن الموضوعية، وليس من مهامه أن يجمع التبرعات لأى غرض مهما كان نبيلاً، يجب أن يعرض الدعوات لتبرع مثل التبرع لمستشفى سرطان الأطفال، أو مركز مجدى يعقوب لجراحة القلب، لا أن يجمع التبرعات بواسطة البرامج التليفزيونية.
أعلم أن أوبرا وينفرى أشهر مذيعة تليفزيون فى العالم جمعت تبرعات لحالات معينة للعلاج فى أمريكا، ولكن التبرع فى أمريكا ثقافة كاملة لها أصولها وقواعدها، وهى سائدة وعميقة الجذور على نحو يفوق أى دولة أخرى فى العالم، وليست مجرد أفكار تطرأ على بال هذا المذيع أو تلك المذيعة بمناسبة برد الشتاء.
والأهم من ذلك أن الدعوة للتبرع لإنقاذ حالات صارخة فى أمريكا أو غيرها من الدول الديمقراطية لا تأتى على حساب واجب الدولة تجاه حقوق المواطن، أما فى مصر، خاصة فى ظل حكم الإخوان المسلمين، فهى تأتى كبديل لواجب الدولة، وكبديل لحقوق المواطن، ولا علاقة لها بالنظام الديمقراطى.
الدولة الجديدة التى يريد الإخوان إقامتها فى مصر، بدعوى أنها دولة الإسلام، وكما ينص دستورهم، هى الدولة التى تقدم العون لغير القادرين من: الإسكان والصحة، والتعليم، والطعام والشراب كنوع من الإحسان من القادرين، وليست الدولة التى تعتبر أن من واجبها توفير الحد الأدنى من شروط الحياة الإنسانية لكل المواطنين، فضلاً عن غموض تعريف «غير القادر» و«القادر»: دولة الثرى الذى يحسن للفقير، وليست دولة المواطن الذى له حقوق على الدولة.
«الزكاة» فرض على المسلم الفرد ولا علاقة لها بالدولة، والفرد المسيحى فى مصر يتبرع للكنيسة دون أن تكون الزكاة من فروض دينه، ولكن تبرعاته بدورها لا علاقة لها بالدولة. إننا أمام حكم «جماعة» تعيش فى التاريخ وليس فى الواقع، وكل استشهادات قادتها من زمن الخلفاء الراشدين الذى ولى ولن يعود، صحيح أن لنا فيهم «قدوة» فى الأخلاق، ولكن ليس فى تسيير أمور الحياة اليوم، وصدق «بورقيبة» فى تونس عندما سئل ما الفرق بينه وبين راشد الغنوشى، فقال: ألف وأربعمائة سنة.
samirmfarid@hotmail.com