أغرب من أن يأكل الفيل العجوة

أيمن الجندي الجمعة 28-12-2012 22:09

فى مشهد المحاكمة، فى فيلم «سَمَعْ هس»، حينما أراد المخرج المُبدع «شريف عرفة» التعبير عن لا معقولية الحياة، وأحوالنا الغريبة المدهشة، فإنه أجرى على لسان أبطاله هذه السريالية العبثية: «نحن فى زمن يشرب فيه السمك القهوة! بل نحن فى زمن يلعب فيه الكلب الطاولة! بل نحن فى زمن يأكل فيه الفيل العجوة».

استوقفتنى الجملة الأخيرة بالذات. وشرعتُ أصوّر لنفسى فيلاً هائلاً ضخم الحجم يمد زلومته الطويلة، لا ليشرب ماءً ولا ليخلع أشجاراً، وإنما ليأكل بهذه الزلومة الطويلة العجوة!

لكن فات «شريف عرفة» أن يتصور مشاهد جرت فى مصر المحروسة بعد إخراج هذا الفيلم بعشرين عاماً. مشاهد أكثر غرابة بكثير. خذ عندك مثلاً مشهد وجوه عابسة جادة الملامح، لها لحى بيضاء كثيفة، وفى الوقت نفسه يحمل أصحاب هذه اللحى صوراً ساخنة شبه عارية لممثلة مشهورة، كل ذلك من أجل مناصرة شيخهم الذى خضع للمحاكمة بتهمة قذفها!

هل تصوّر «شريف عرفة» أنه سيأتى حين من الزمن، يخرج فيه شيخ على الهواء، ليبرئ نفسه من تهمة السب، بالادعاء أن الله ورسوله كانا يفعلان ذلك. ليس هذا فحسب، بل ويرمى بتلميحات قذرة تتهم مقدم برنامج ساخر فى رجولته، قائلا إنه أشد جمالاً من «ليلى علوى»، ثم يعلنه بضرورة أن يرتدى النقاب لأنه أمرد ومثير للفتنة! ويزعم أن هذا هو حكم الله ورسوله.

فى اليوم التالى وجدنا الشيخ يعتذر إليه ويدعوه - وكأنما يحدث طفلاً- إلى بيته قائلاً: «تعال شوف حياة المسلمين حلوة إزاى!». يقولها وكأنه ليس مسلما!. ثم يُفاجئنا فى اليوم التالى بنشر صورة له وهو يرتدى النقاب، ثم يتغزل فى جمال عينيه، لتعرف أنه لا يعتذر عن شىء فى الحقيقة، وإنما «يشتغلنا».

كابوس هذا أم حقيقة! وما هذه الميول المنحرفة؟ وهل نأمن سخط الجبار إذا تركنا هؤلاء يشوهون دينه دون أن نضرب على أيديهم!

والأغرب من هذا كله أنك تجد من يدافع عن هؤلاء ويعتبرونهم دعاةً أخذتهم الحمية فى دين الله!

أيهما أشد غرابة: هذا العبث بالدين والمقدسات؟ أم فيل يأكل العجوة!!

أتوقع لو ساد هذا الفهم المتخلف للإسلام، وكُتبت الغلبة للسبّابين المتفحشين، فسوف تحدث -ولا ريب- حركة ردة عريضة عن الإسلام! لا تنسوا أن الفضاء صار مفتوحاً بغير حدود والناس تفكر وتقارن. الأزهر تبرأ من هؤلاء عشرات المرات، ويبقى أن يتبرأ منهم الإخوان بكلمات واضحة، دون أن يضعوا اعتباراً لأصواتهم الانتخابية.

ﻻ بد من إغلاق هذه القنوات فهؤلاء أشد خطورة على دين الله من ألد أعدائه. ولابد أيضاً أن نعيد الاعتبار للأزهر، فما انتعش شيوخ العار إلا حينما غاب. كما تنتعش البكتريا الضارة حينما تضعف مناعة الجسد.

الشريعة إما أن تُطبّق بصورة صحيحة على يد من هم أهل لتطبيقه، أو نتركها حلما جميلا فى وجدان الأمة حتى يأتى من هم أهل لتطبيقها. أما هذا النموذج المشوه فكلّا وألف كلا.